Tafsir Al-Uthaymeen: Ash-Shura
تفسير العثيمين: الشورى
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٧ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
اختلافُ الناسِ ما قام الجهادُ ولا قام الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، ولم يكن فائدةٌ في خَلْقِ الجنةِ والنارِ، إلى غيرِ ذلك.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ الرحمةِ للهِ ﷿؛ لقولِهِ: ﴿فِي رَحْمَتِهِ﴾ واعلمْ أن الرحمةَ نوعان: مخلوقةٌ، وغيرُ مخلوقةٍ. أما غيرُ المخلوقةِ: فهي رحمةُ اللهِ التي هي وصفُهُ؛ لأنَّ جميعَ صفاتِ اللهِ غيرُ مخلوقةٍ. وأما المخلوقةُ: فهي الرحمةُ التي هي من آثارِ رحمةِ اللهِ التي هي وصْفُهُ. فالمخلوقةُ الشيءُ البائنُ عن اللهِ الذي كان من آثارِ رحمتِهِ التي هي وصفُهُ؛ قال اللهُ ﷿: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٧]، هذه مخلوقةٌ، و(في) للظرفيَّةِ، ولا يُمْكِنُ أن تكون رحمةُ اللهِ التي هي وصفُهُ ظرفًا لهؤلاء الذين آمنوا؛ إذن ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾؛ أي: المخلوقةُ، والرحمةُ المخلوقةُ هي الجنَّةُ؛ لقولِهِ تعالى للجنَّةِ: "أنتِ رحمتي أَرْحَمُ بكِ من أشاءُ" (^١)، وقولُهُ: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف: ٥٨]، المرادُ بالرحمةِ هنا الصفةُ. إذن؛ من صفاتِ اللهِ تعالى الرحمةُ.
والعَجَبُ من قومٍ يَدَّعُونَ أنهم مُنَزِّهُونَ للهِ يقولون: إن اللهَ لا يُوصَفُ بالرحمةِ - نسألُ اللهَ ألَّا يُزيغَ قلوبَنَا - يقولون: إن اللهَ ما يُوصَفُ بالرحمةِ؛ لأنَّ الرحمةَ انفعالٌ وانكسارٌ كما ترَحَّمَ الصبيُّ تَرَحُّمَ اليتيمِ، واللهُ ﷿ مُنَزَّهٌ عن ذلك، ماذا نفعلُ في الآياتِ التي لا تُحْصَى المُثْبِتَةِ لرحمةِ اللهِ؟ قالوا: فَسَّرَ الرحمةَ بالإنعامِ، فيفسرونها بالرحمةِ المخلوقةِ، أو فَسَّرَ الرحمةَ بإرادةِ الإنعامِ فيفسرونها بالإرادةِ، وهؤلاء الأشاعرةُ؛ لأنَّهم يُقِرُّونَ بالإرادةِ على أنها صفةٌ للهِ، وسبحانَ اللهِ حُجَّتُهُم في هذا يقولُ: الإرادةُ
(^١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠]، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (٢٨٤٦)، من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 72