Tafsir Al-Uthaymeen: Ash-Shura
تفسير العثيمين: الشورى
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٧ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
وقولُهُ: ﴿مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ المرادُ بالإذنِ هنا الإذنُ الشرعِيُّ؛ لأنَّ الإذنَ يكونُ قَدَريًّا ويكونُ شَرْعيًّا، فما تَعَلَّقَ بالأمرِ والنهيِ شرعيٌّ، وما تَعَلَّقَ بالخَلْقِ والتكوينِ قدريٌّ، فقولُهُ تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرةِ: ٢٥٥]. يَحْتَمِلُ أن يُرادَ به الإذن الشرعيّ أو القدريّ، ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ أي: بأن يَأْذَنَ قَدَرًا بأن يَشْفَعَ، أو يأذنَ شَرْعًا. وقولُهُ تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرةِ: ١٠٢]. يحتملُ الإذنَ القدريَّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يأذنُ شَرْعًا بأن يَضُرَّ السحرةُ أحدًا.
وهنا ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾؛ أي: ما لم يأذن به شرعًا، أما قدرًا فقد أَذِنَ به؛ لأنَّه وَقَعَ، وكلُّ شيءٍ يقعُ فإنه مأذونٌ فيه قدرًا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ أن يقعَ في مُلْكِ اللهِ ﷿ ما لم يَأْذَنْ به قَدَرًا، ومن ذلك؛ أي: من شَرْعِ ما لم يأذنْ به اللهُ تحليلُ ما حَرَّمَ اللهُ، أو تحريمُ ما أحلَّ اللهُ، ولهذا جَعَلَ اللهُ ﷾ هؤلاء الذين يُحِلِّلُون ما حَرَّمَ ويُحَرِّمُون ما أَحَلَّ جَعَلَهَم أربابًا، كما في قولِهِ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبةِ: ٣١]. قال عديُّ بْنُ حاتمٍ للرسولِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ: "إنا لَسْنَا نَعْبُدُهم، قال: أليس يُحِلُّون ما حَرَّمَ اللهُ فتُحِلُّونه، ويُحَرِّمُونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمُونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتُهُم" (^١)، يعني: طاعَتَهم.
قال المُفسِّر ﵀: [﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ﴾؛ أي: القضاءُ السابقُ بأن الجزاءَ في يومِ القيامةِ ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ وبين المؤمنين بالتعذيبِ لهم في الدنيا ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ الكافرين ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مُؤْلِمٌ].
(^١) أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٩٥).
1 / 203