97

Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum

تفسير العثيمين: الروم

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

بِه آدَمُ، فإِنَّ آدَم بَشَرٌ وذُرِّيَّتُه انْتَشرَتْ فِي الأرْضِ. وقوْله تَعالَى: ﴿إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ﴾ مبتَدَأٌ وخبَرٌ، وجُمْلَةُ ﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ في محَلِّ رفْعِ صفَةٍ لـ (بَشَر)، وإِذا جعَلْناها صِفَةً لِـ (بَشَر) صَار فِيها إشْكَالٌ مِنْ جِهة أنَّ (بشَرٌ) مفْرَدٌ و(تنتشرون) جمْعٌ، لكن المُفْرد المُرادَ بِه الجِنْس يكُونُ لِلْجَمْعِ. وسُمِي الإنْسانُ بَشرًا قِيلَ لأَنَّ بشْرَتَه بَادِيَةٌ، إِذْ إِنَّ الحيوانَاتِ الأخرى عَلَى أبْشَارِها مَا يستْرُها لحكْمَةٍ، وأمَّا الآدَمِيّ فإنَّ بشْرَتَهُ بَارِزَةٌ ظَاهِرَةٌ، وقِيلَ: لأنَّهُ تبْدُو عَلَى بشْرَتِه انفعالاتُه النّفسيَّةُ، مثْلُ الغَضبِ والفَرَحِ ومَا أشْبَهَ ذَلِك، فإِنَّها تبْدُو ظَاهِرَةً عَلَى وجْهِه. وقوله ﵀: [﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ في الأرْض]، قيَّدَ المُفَسِّر ﵀ الانْتِشارَ بأنَّه فِي الأَرْضِ، لقوْلِه تَعالَى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]، فالانتِشارُ والتّوسُّع فِي الأرْضِ، فقوْله ﷾: ﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ أيْ تذْهَبُون يَمِينًا وَشمالًا؛ وَلهَذا لا شَكَّ أنَّ بَنِي آدَم كانُوا فِي أَوَّلِ أمْرِهمْ فِي مكَانٍ واحِدٍ، ثمَّ انْتَشرُوا في جَميعِ القارَّاتِ عَلَى تبَاعُدِ مَا بيْنَها، وانْظُر الآن البَشر منتَشِرٌ في جَميع أقْطَارِ الدّنيا، وسُبْحانَ الله العظيمِ، فمَنِ الَّذي أوْصَل أهلَ أمَرِيكا إِلَى أمِرِيكا، ومَنِ اَّلذي أوْصَلَهُم إِلَى البِلادِ الأخرى مَع هَذِهِ المحِيطاتِ العَظِيمَةِ؛ لأَنَّ آدَم لا شَكَّ كانَ فِي إحْدَى القارَّاتِ، لكنْ مَنِ الَّذي أوْصَل بَنيه إِلَى القارَّاتِ الأخرى؟ الله أعلَمُ، وقدْ يَكُونُ الله يسَّر لهم فِي ذَلِك الوَقْتِ مِنَ الأسْبَابِ مَا قدْ زَالَ الآنَ ولَا نعْرِفُه حتَّى وصَلُوا إِلَى هَذهِ البِلَادِ. لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما صِحَّةُ مَا ساقَهُ القُرطُبِيُّ في تفسِيرِ آيةِ الحَجِّ مَن أنَّ المَنِيَّ فِيه تُرابٌ؟

1 / 103