Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
الجهْمِيَّةُ وسلَبُوه جَمِيعَ الصِّفاتِ، وَكَذلِكَ المعتزلِةُ قَالُوا: لَه أسْمَاءٌ بِدونِ صِفاتٍ، فظَاهِرٌ أنَّهم سلَبُوا الكَمال عَنِ الله، أمَّا إِذا كانَ جُزئِيًّا كَما فعَل الأشَاعِرةُ والماتُرِيديَّةُ ونحْوُهم فَإنَّ هَذا فِيه سلْبُ الكَمالِ عَنِ الله فِيما وَصفَ بِه نفْسَهُ، فقوْلُه تَعالَى: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤]، الاسْتِواءُ صِفةُ كَمال وهُمْ يقُولونَ: (اسْتوى بمَعْنى اسْتَوْلَى)، فلَم يجْعَلُوا للْعَرش خَصِيصةً بالاسْتِواءِ علَيْه؛ لأَنَّ الله تَعالَى مستولٍ عَلَى كُلِّ شيْءٍ، وَكَذلِكَ أيْضًا إِذا قالُوا إِنَّ المُرادَ بالآيَاتِ خِلافُ الظَّاهِر، فإِنَّهم وصَفُوا الله تَعالَى بالنّقْص؛ لأَنَّ إرادَة المتَكَلِّم بكَلامِه خِلافَ الظَّاهِر بدُونِ بَيانٍ يُعتبر تدْلِيسًا وتَمْويهًا، واللهُ ﷿ مَا أَنزْل القرآن إِلَّا لِلْبَيانِ، قَال تَعالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [النّساء: ٢٦]، وقَال تَعالَى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦]، وقَال: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ [النّحل: ٤٤]، والآيَاتُ في هَذا كثِيرَةٌ.
فإِذَا قُلْنَا: إنَّ الله أرادَ بِهَذا خِلافَ الظَّاهِر، فهَذا وصْفٌ لَه بالتَّعْميَةِ ﷾، وأنَّه لا يُرِيدُ البيانَ، وهَذا لا شَكَّ أنَّه نقْصٌ، وَلهَذا نقُولُ: إِنَّ جَمِيعَ مَنْ أنْكَرُوا صِفَاتِ الله ﷿ كُلِّيَّةً أوْ جُزْئيَّةً فإِنَّهم قدْ وَصَفُوا الله ﷾ بالنَّقْص.
الفائِدَةُ السابعةُ: أنَّ كُلَّ صِفَةٍ وُصَف الله بِها نفْسَهُ فَهِي صِفَةُ كَمالٍ؛ تُؤخَذ مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ﴾، فإِذا أثْبَتَ لنفْسِه صِفةً علِمْنا أنَّها صِفة كَمالٍ، الرّحمَةُ أثْبَتها الله لنَفْسِه صفَةَ كَمالٍ لا نقْصٍ، لكنَّها عنْد أهْل التَّعطِيل المُحَرِّفِينَ هِي صِفةُ نقْصٍ، يقُولونَ: إِنَّ الرّحمةَ تدُلُّ عَلَى الخَوَرِ والضَّعْفِ؛ فلِهَذا قالوا أنَّ رَحمةَ الله لَا يُرادُ بِها الرَّحمةُ، وإِنَّما يُرادُ بِها الإحسَان، أَوْ إرادَةُ الإحسَان، يُفسِّرونها إمَّا بالجزاءِ المفْعُولِ المخْلُوقِ وإِمَّا بِإرَادَتِه.
1 / 154