Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
وحُكْمُ الله ﷿ ينْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: كَوْنيٍّ وشرْعِيٍّ، فالكوْنيُّ نافِذٌ في جَمِيعِ الخلْق شاؤُوا أمْ أَبوْا، والشَّرعِيُّ نافِذٌ فِيمَن أطَاعَ الله ﷿، أمَّا مَنْ لَم يُطِعْه فإِنَّهُ لا يُنْفِذُ حُكْمُه.
وهَل هُناك أمْثِلَةٌ مِن القُرآنِ تدُلُّ عَلَى هَذا التّقسيمِ مِن أنَّ الحُكْم كوْنِيٌّ وشَرْعِيٌّ؟
الجوابُ: نعم، قالَ أحَدُ إخْوَةِ يُوسُفَ: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يوسف: ٨٠]، المُراد بالحُكم هُنا الحكمُ الكَوْنيُّ القَدَرِيُّ، يَعْني: أوْ يُقَدِّرُ الله ذَلِك، أمَّا الحُكْم الشّرعِيُّ فإنَّ الله لما ذَكر مَا يَجِبُ فِي النِّساءِ المُهاجِراتِ فِي سُورةِ المُمْتَحِنة قَال: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة: ١٠]، والمُراد بالحُكْم هُنا الحُكْمُ الشّرْعِيُّ، لأَنَّ مَا ذُكِرَ مِن الأُمُورِ كُلُّه أمُورٌ شرْعِيَّةٌ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما تقُولونَ فِي قوْلِه ﷾: ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٧٠]، أيُّ الحُكْمَين؟
قُلْنَا: هذَا شَامِلٌ، وَكَذلِكَ قوْلُه تَعالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠]، الظَّاهِر أنَّه شامِلٌ، وإِنْ كَان فِي الشَّرع فِي هَذهِ الآيَةِ أظْهَرَ؛ لأَنَّ الله قال: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠].
إِذَن: الحكِيمُ مِن الحُكْم تنْقِسمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: حُكْمٌ شرْعِيٌّ، وحُكْمٌ كوْنيٌّ، والحُكمُ الكونيُّ هُو قَضاؤُه وقدَرُه، وكُلُّ أحَدٍ خاضِعٌ لَهُ، والحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَا حَكَمَ بِه شرْعًا، ولا يَخْضَعُ لَهُ كلُّ أحدٍ.
أمَّا إذا قُلنا أنَّه مِن (أحْكَمَ) فحَكِيمٌ مِن الحكْمَة بمَعْنى مْحُكم، فإِنَّ الحِكْمة تنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْن: حكْمَةٌ غائِيَّةٌ، وحِكْمةٌ صُورِّيةٌّ، يعْنِي صورَةُ الشّيْء كَذا وكَذا،
1 / 151