Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
والمُفَسِّر ﵀ لَا يُرِيدُ أنْ يُثْبِتَ مذْهَب الجبرَّية، ولكِنْ يُرِيدُ أنْ يُبَيِّنَ أنَّ تصرُّفَنا وإِنْ كُنَّا مستَقِلِّينَ بِه مِن وَجْهٍ، فإِنَّنا لسْنَا مستَقِلِّينَ بِه مِن وجْهٍ، وابْتِغاءُ الفضْلِ بإرَادَةِ الله والمَنامُ بِإرادَةِ الله، وبَيْنَهُما فرْقٌ لأَنَّ المنَام ليْسَ لنَا فِيه حُرِّيَّةٌ إطْلاقًا، ولَا إرادَةَ بِخلَافِ الابْتِغَاءِ مِن فضْلِه، فإِنَّ لنَا فِيه إرادَةً، ولكِنَّها تابِعَةٌ لإرادَةِ الله، ثمَّ قَال تَعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨، ٢٩].
قوْلُه تَعالَى: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾: إنَّ في ذَلِك المَذْكُورِ، كَما قَال المُفَسِّر ﵀ أولًا: [﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ سَمَاعَ تَدَبُّرٍ واعْتِبَارٍ]: وأتَى بقوْلِه ﷾: ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾؛ لأنَّهُ بدَأ بالنَّوْمِ وبدَأ باللَّيْلِ، واللَّيْلُ وَظِيفَةُ الإنْسَانِ فِيه السَّمْعُ؛ لأنَّهُ لَا يَرى باللَّيْل، فالَّذِي يُناسِبُه السَّمعُ.
ولكِن مَا المُرادُ بالسّمْعِ هُنا، هَل المُرادُ مطْلَقُه؟
لَا، بَل المُرادُ سَماعُ التَّدبُّر والاعْتِبَارُ؛ لأَنَّ السَّمْع كَما سبَق يُطْلَقُ عَلَى سمْعِ الإدْرَاكِ المُجَرَّدِ، وعلَى سمْعِ الإدْرَاك المُنْتَفَعِ بِه، ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢١]، يعْنِي لا يسْمَعُون سَماعَ تدَبُّرٍ واتِّعاظٍ وانْقِيادٍ.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائِدَةُ الأولَى:: أنَّ النَّومَ مِن آيَاتِ الله؛ وجْهُ ذَلِك أَنَّ هَذا الإنْسانَ ذَا الشُّعورِ إِذا نَام فقَدَ شُعُورَه، والرُّوحُ متَّصِلةٌ بالبَدن تمَامَ الاتِّصالِ، فإِذا نامَ حصَل منْهَا نوْعُ انفِصَالٍ؛ ولِهَذا سَمَّى الله تَعالَى النَّوْمَ وفَاةً لكِنْ ليْسَتِ الوفاةَ الكامِلَةَ التي تُقْبَضُ فِيها الرُّوحُ مِن البَدنِ وتنْفَصِل عنْه انفصالًا كامِلًا، لكنَّها تنْفَصِلُ عنْه انفِصالًا جُزْئِيًّا،
1 / 126