112

Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum

تفسير العثيمين: الروم

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

قوْله ﷾: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ خبَرٌ مقَدَّمٌ، و﴿خَلَقَ﴾ مبْتَدأٌ مؤَخَّرٌ، وخلْقُ السَّمواتِ: أيْ إيجادُهَا بتَقْدِيرٍ ونظامٍ بدِيعٍ، وَهَذا يشْمَلُ خلْق هَذهِ السّموات باعْتِبارِ كَوْنِها أجْرَامًا عَظِيمَةً وباعْتِبارِها مصْلَحةً للعْبَادِ، فهَذا مِن آياتِ الله، فمِنْ آيَاتِه العَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِه ورَحْمَتِه وحِكْمَتِه خَلْقُ السّموَاتِ وَالأرْضِ، والسَّمواتُ جمْعٌ وجَمْعُها ظَاهِرٌ لأنَّهَا سبْعُ سمَواتٍ، والأرْضُ مُفْرَدٌ، ولكِنَّ المُرادَ بِه الجِنْس؛ لأَنَّهُ لا شَكَّ أنَّ الأرَضِينَ سبْعٌ، والدَّلِيلُ قوْله تَعالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ١٢]، والمِثْلِيَّةُ هُنا لَا يُمْكِنُ أنْ تكُونَ فِي الصِّفَةِ أبَدًا، إذْ لا يُمْكِنُ أنْ تكونَ الأرَضونَ مثْلَ السّموَاتِ فِي الصّفةِ لِظُهورِ الفَرْقِ التَّامِّ بَيْنَهُما، فإِذا تعذَّرَتِ الصِّفَةُ رجَعْنا إِلَى العَدَدِ، أيْ ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ فِي العَدَدِ، ثمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ مُبَيِّنَةَ ذَلِك صَرِيحًا، مثْلَ قولِه ﷺ في الحديث الصَّحِيح المُتَّفَق علَيْهِ: "طَوَّقَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" (^١). وقوله ﵀: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾: أيْ لُغَاتِكُمْ مِنْ عَرَبِيَّةٍ وَعَجَمِيَّةٍ وَغَيْرِهَا]: اختلاف معطُوفَةٌ عَلَى (خلْق) يعْنِي ومنْ آيَاتِه أيْضًا اختِلافُ ألسِنَتِكُم، وصَحِيحٌ أنَّ اختِلافَ الألسِنَةِ مِن آيَاتِ الله بحسَبِ اللُّغاتِ عرَبِيَّةً وعجَمِيَّةً وغيْرَها، إِنْ أرَدْنا بَالعَجَم اسْم القَوْمِ الخاصِّ، فكَلِمَةُ (غيْرَها) صحِيحَةٌ، وإِذا أرَدْنا بِالعَجَمِ مَنْ سِوى العَرَبِ فإنَّ قوْلَه: (وَغَيْرَهَا) ليْسَ بِصَحِيحٍ، وَهَذا هُو الأَفْضَلُ أنَّه يُقَال: (عَرَبٌ وَعَجَمٌ) ويُراد بالعَجَم مَا سِوى العَربِ، فيَشْمَلُ جَمِيعَ لُغاتِ العالَم، ثمَّ إنَّ اختِلافَ الألسِنَة أيْضًا قَدْ نُنْزِلُه عَلَى اختِلَافِ اللُّغَة نفسِها، واخْتِلافِ النُّطقِ نفْسِه، فأَنْتَ تَرى الإنْسَانَ ينْطِقُ بخُروجِ الهَواءِ مِنَ الرِّئَتَيْنِ، ثمَّ مُرورهِ عَلَى

(^١) أخرجه مسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، رقم (١٦١٠).

1 / 118