يتشاءمون بالعشرة، وعَدُوُّهم من العددِ العشرة، وصديقهم التسعة؛ لِأَنَّهُم يَقُولُونَ: هم آل البيت الَّذِين وضع عليهم الرَّسُول الكساء، فقال لهم شيخ الإِسْلام: يَجِب إذا كنتم تتفاءلون أو تتشاءمون بالعدد أنكم تتشاءمون بالتسعة؛ لِأَنَّها هِيَ الَّتِي قَالَ الله فيها: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾، أَمَّا العشرة فإن الغالبَ أَنَّهَا خير: عشر ذي الحجَّة، وعشر رَمَضَان، والعشرة المبشرون بالجنَّة، وأمثلة كثيرة لا تَحْضُرني الآن (^١).
وأنا أقول: إن كلام شيخ الإِسْلام هَذَا للتنزُّل مَعَ الخصمِ، وإلَّا هُوَ ﵀ لا يتفاءل لا بهَذَا ولا بهَذَا، فالعدد عدد، لَيْسَ فِيهِ أثرٌ لشيءٍ.
قوله: ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: بالمَعاصِي، وكلما ذكر الله ﵎ الفساد فِي الْأَرْض فالمُراد به المعصية: الشرك فما دونه؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أن عمل المَعاصِي نفسه فساد، ثُمَّ هُوَ سببٌ للفسادِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٠]، وقال تَعَالَى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١]، وقال تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)﴾ [الشورى: ٣٠]، فالمَعاصِي هِيَ نفسها فسادٌ، وهي سببٌ للفسادِ أيضًا، فلذلك كلَّما ذكر اللهُ ﷾ الفسادَ فِي الْأَرْض فالمُرادُ به المَعاصِي.
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالمَعاصِي، مِنْهَا قَرْضُهُمُ الدَّنانيرَ والدَّراهِمَ]، أي يُقَطِّعونها ويخرِّبونها وَيقُصُّون من الدراهمِ والدنانيرِ، لكِن هَذِهِ إسرائيليات لا دليلَ عليها، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ أكبر المَعاصِي، صحيح أَنَّهُ غِشّ، لَكِنَّهُ
(^١) انظر: منهاج السنة (١/ ٤٠، ٤/ ١٣٩، ٧/ ٤١٧).