99

Tafsir Al-Shaarawi

تفسير الشعراوي

Genres

قوله تعالى: { واتقوا يوما } يذكرهم بهذا اليوم. وهو يوم القيامة الذي لا ينفع الإنسان فيه إلا عمله، ويطلب الحق سبحانه وتعالى منهم أن يجعلوا بينهم وبين صفات الجلال لله تعالى في ذلك اليوم وقاية. إن هناك آية أخرى تقول:

واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون

[البقرة: 123]. وهذه الآية وردت مرتين. وصدر الآيتين متفق. ولكن الآية الأولى تقول: { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون } والآية الثانية:

ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون

[البقرة: 123] هل هذا تكرار؟ نقول لا. والمسألة تحتاج إلى فهم. فالآيتان متفقتان في مطلعهما: في قوله تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا }. ففي الآية الأولى قدم الشفاعة وقال: لا يقبل. والثانية أخر الشفاعة وقال لا تنفع. الشفاعة في الآية الأولى مقدمة، والعدل متأخر، وفي الآية الثانية العدل مقدم والشفاعة مؤخرة.. وفي الآية الأولى لا يقبل منها شفاعة، وفي الآية الثانية.. لا تنفعها شفاعة. والمقصود بقوله تعالى: { واتقوا يوما } هو يوم القيامة الذي قال عنه سبحانه وتعالى:

يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله

[الانفطار: 19]. وقوله تعالى: { لا تجزي نفس عن نفس شيئا } كم نفسا هنا؟ إنهما اثنتان. نفس عن نفس. هناك نفس أولى ونفس ثانية. فما هي النفس الأولى؟ النفس الأولى هي الجازية. والنفس الثانية.. هي المجزي عنها.. ومادام هناك نفسان فقوله تعالى: { ولا يقبل منها شفاعة } هل من النفس الأولى أم الثانية؟ إذا نظرت إلى المعنى فالمعنى: أنه سيأتي إنسان صالح في يوم القيامة ويقول يا رب أنا سأجزي عن فلان أو أغني عن فلان أو أقضي حق فلان. النفس الأولى أي النفس الجازية تحاول أن تتحمل عن النفس المجزي عنها. ولكي نقرب المعنى - ولله المثل الأعلى - نفترض أن حاكما غضب على أحد من الناس وقرر أن ينتقم منه أبشع انتقام. يأتي صديق لهذا الحاكم ويحاول أن يجزي عن المغضوب عليه. فبما لهذا الرجل من منزلة عند الحاكم يحاول أن يشفع للطرف الثالث. وفي هذه الحالة إما أن يقبل شفاعته أو لا يقبلها. فإذا لم يقبل شفاعته فإنه سيقول للحاكم أنا سأسدد ما عليه.. أي سيدفع عنه فدية، ولا يتم ذلك إلا إذا فسدت الشفاعة. فإذا كانت المسألة وفي يوم القيامة ومع الله سبحانه وتعالى.. يأتي إنسان صالح ليشفع عند الله تبارك وتعالى لإنسان أسرف على نفسه. فلابد أن يكون هذا الإنسان المشفع من الصالحين حتى تقبل شفاعته عند الحق جل جلاله.

واقرأ قوله سبحانه:

من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه..

[البقرة: 255]. وقوله تعالى:

Unknown page