Tafsir Al-Muyassar
التفسير الميسر
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
Edition Number
الثانية،مزيدة ومنقحة
Publication Year
١٤٣٠هـ - ٢٠٠٩ م
Publisher Location
السعودية
Genres
ربنا صدَّقنا بما أنزلت من الإنجيل، واتبعنا رسولك عيسى ﵇، فاجعلنا ممن شهدوا لك بالوحدانية ولأنبيائك بالرسالة، وهم أمة محمد ﷺ الذين يشهدون للرسل بأنهم بلَّغوا أممهم.
ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل بعيسى ﵇، بأن وكَّلوا به من يقتله غِيْلة، فألقى الله شَبَه عيسى على رجل دلَّهم عليه فأمسكوا به، وقتلوه وصلبوه ظنًا منهم أنه عيسى ﵇، والله خير الماكرين. وفي هذا إثبات صفة المكر لله -تعالى- على ما يليق بجلاله وكماله; لأنه مكر بحق، وفي مقابلة مكر الماكرين.
ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: إني قابضك من الأرض من غير أن ينالك سوء، ورافعك إليَّ ببدنك وروحك، ومخلصك من الذين كفروا بك، وجاعل الذين اتبعوك -أي على دينك وما جئت به عن الله من الدين والبشارة بمحمد ﷺ وآمَنوا بمحمد ﷺ، بعد بعثته، والتزموا شريعته- ظاهرين على الذين جحدوا نبوتك إلى يوم القيامة، ثم إليّ مصيركم جميعًا يوم الحساب، فأفصِل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمر عيسى ﵇.
فأمَّا الذين كفروا بالمسيح من اليهود أو غَلَوا فيه من النصارى، فأعذبهم عذابًا شديدًا في الدنيا: بالقتل وسلْبِ الأموال وإزالة الملك، وفي الآخرة بالنار، وما لهم مِن ناصر ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله.
وأما الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا الأعمال الصالحة، فيعطيهم الله ثواب أعمالهم كاملا غير منقوص. والله لا يحب الظالمين بالشرك والكفر.
ذلك الذي نقصُّه عليك في شأن عيسى، من الدلائل الواضحة على صحة رسالتك، وصحة القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق والباطل، فلا شك فيه ولا امتراء.
إنَّ خَلْقَ الله لعيسى من غير أب مثَلُه كمثل خلق الله لآدم من غير أب ولا أم، إذ خلقه من تراب الأرض، ثم قال له: «كن بشرًا» فكان. فدعوى إلهية عيسى لكونه خلق من غير أب دعوى باطلة; فآدم ﵇ خلق من غير أب ولا أم، واتفق الجميع على أنه عَبْد من عباد الله.
الحق الذي لا شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك -أيها الرسول- من ربك، فدم على يقينك، وعلى ما أنت عليه من ترك الافتراء، ولا تكن من الشاكِّين، وفي هذا تثبيت وطمأنة لرسول الله ﷺ.
فمَن جادلك -أيها الرسول- في المسيح عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم في أمر عيسى ﵇، فقل لهم: تعالوا نُحْضِر أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن يُنزل عقوبته ولعنته على الكاذبين في قولهم، المصرِّين على عنادهم.
1 / 57