﴿حَدائِقَ وَأَعْنابًا (٢٢) وَكَواعِبَ أَتْرابًا (٢٣) وَكَأْسًا دِهاقًا﴾ (^١) من الألفاظ الرقيقة والجمل السّلسة. وحين يكون المعنى جزلا يقول: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا (٢١) لِلطّاغِينَ مَآبًا (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقابًا (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا وَلا شَرابًا (٢٤) إِلاّ حَمِيمًا وَغَسّاقًا (٢٥) جَزاءً وِفاقًا﴾ من الألفاظ الفخمة والجمل الجزلة. وحين يكون المعنى محبّبا يأتي باللفظ المحبّب فيقول: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (^٢).
وحين يكون المعنى مستنكرا يأتي باللفظ المناسب لهذا المعنى فيقول: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ (^٣) فيقول: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (^٤).وقد صاحب تأدية المعاني بهذه الكيفية من التعبير التي تصوّر المعاني مراعاة للألفاظ ذات الجرس الذي يحرّك النفس عند تصوّرها لهذه المعاني وإدراكها لها. ولذلك كانت تبعث في السامع المدرك لعمق هذه المعاني وبلاغة التعبير خشوعا عظيما حتى كاد بعض المفكّرين العرب من البلغاء أن يسجدوا لها مع كفرهم وعنادهم.
ثم إن المدقّق في ألفاظ القرآن وجمله يجد أنه يراعي عند وضع الحروف مع بعضها، الأصوات التي تحدث منها عند خروجها من مخارجها فيجعل الحروف المتقاربة المخارج متقاربة الوضع في الكلمة أو الجملة. وإذا حصل تباعد بين مخارجها فصل بينها بحرف يزيل وحشة الانتقال. وفي نفس الوقت يجعل حرفا محبّبا من مخرج خفيف على الأذن يتكرّر كاللازمة في الموسيقى، فلا يقول [كالباعق المتدفق] وإنما يقول: ﴿كَصَيِّبٍ﴾ (^٥) ولا يقول [الهعخع] وإنما يقول ﴿سُندُسٍ خُضْرٌ﴾ (^٦) وإذا