قوله: ﴿(وَالَّذِينَ هادُوا)﴾ أي الذين كانوا على دين موسى ولم يبدّلوا ولم يغيّروا.
(والنّصارى) الذين كانوا على دين عيسى ولم يبدّلوا وماتوا على ذلك، ﴿(وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)﴾ من مات منهم وهو مؤمن.
وقوله تعالى: ﴿(وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)،﴾ إنّما ذكره بلفظ الجمع؛ لأن لفظة (من) تصلح للواحد؛ والاثنين؛ والجمع؛ والمذكّر؛ والمؤنث، قال الله تعالى:
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ (^١) ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ﴾ (^٢).قال الفرزدق في التّثنية (^٣):
تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فإن قيل: ما معنى إعطاء أجر المؤمن وهو عامل لنفسه؟ قيل: لمّا حمل على نفسه المشقّة وحرمها شهواتها؛ فآجره في الآخرة عوضا عما فاته من اللّذّات في الدّنيا.
وقوله تعالى: ﴿(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)؛﴾ فيما تعاطوا من الحرام، ﴿(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)،﴾ على ما اقترفوا من الآثام، لما سبق لهم في الإسلام. وقيل: ﴿(لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)﴾ في الكبائر فأنا أغفرها، ﴿(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)﴾ على الصغائر فإنّي أكفّرها.
قوله ﷿: ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ؛﴾ أي ﴿(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ)﴾ يا معشر اليهود ﴿(وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)﴾ وهو الجبل بالسّريانية في قول بعضهم. وقالوا: ليس من لغة في الدّنيا إلاّ وهي في القرآن! وقال الحذّاق من العلماء:
لا يجوز أن يكون في القرآن لغة غير لغة العرب؛ لأنّ الله تعالى قال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ (^٤)
وقال: ﴿بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ﴾ (^٥) وإنّما قال هذا وأشباهه وفاقا وقع بين اللّغتين؛ وقد وجدنا الطّور في كلام العرب، قال جرير:
فإن ترسل ما الجنّ نسوا بها ... وإن يرسل ما صاحب الطّور ينزل
(^١) محمد ١٦/.
(^٢) الأحزاب ٣١/.
(^٣) من الشواهد، ينظر: ديوانه: ج ٢ ص ٣٢٩.ولسان العرب: (منن).
(^٤) الزمر ٢٨/.
(^٥) الشعراء ١٩٥/.