Al-Baydawi's Tafsir
تفسير البيضاوى
Investigator
محمد عبد الرحمن المرعشلي
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
بيروت
[سورة البقرة (٢): آية ٧٥]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
أَفَتَطْمَعُونَ الخطاب لرسول الله ﷺ والمؤمنين أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أن يصدقوكم، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم. يعني اليهود. وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ طائفة من أسلافهم يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ يعني التوراة. ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ كنعت محمد ﷺ، وآية الرجم. أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون. وقيل هؤلاء من السبعين المختارين سمعوا كلام الله تعالى حين كلم موسى ﵇ بالطور، ثم قالوا سمعنا الله تعالى يقول في آخره: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا. مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة. وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم مفترون مبطلون، ومعنى الآية: أن أحبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة، فما ظنك بسفلتهم وجهالهم، وأنهم إن كفروا وحرفوا فلهم سابقة في ذلك.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٧٦ الى ٧٧]
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧)
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا يعني منافقيهم. قالُوا آمَنَّا بأنكم على الحق، وإن رسولكم هو المبشر به في التوراة وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أي الذين لم ينافقوا منهم عاتبين على من نافق. أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بما بين لكم في التوراة من نعت محمد ﷺ، أو الذين نافقوا لأعقابهم إظهارًا للتصلب في اليهودية، ومنعًا لهم عن إبداء ما وجدوا في كتابهم، فينافقون الفريقين. فالاستفهام على الأول تقريع وعلى الثاني إنكار ونهي لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه، جعلوا محاجتهم بكتاب الله وحكمه محاجة عنده كما يقال عند الله كذا، ويراد به أنه جاء في كتابه وحكمه، وقيل عند ذكر ربكم، أو بين يدي رسول ربكم. وقيل عند ربكم في القيامة وفيه نظر إذ الإخفاء لا يدفعه. أَفَلا تَعْقِلُونَ إما من تمام كلام اللائمين وتقديره: أفلا تعقلون أنهم يحاجونكم به فيحجونكم، أو خطاب من الله تعالى للمؤمنين متصل بقوله: أَفَتَطْمَعُونَ، والمعنى: أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم في إيمانهم.
أَوَلا يَعْلَمُونَ يعني هؤلاء المنافقين، أو اللائمين، أو كليهما، أو إياهم والمحرفين. أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ومن جملتهما إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان، وإخفاء ما فتح الله عليهم، وإظهار غيره، وتحريف الكلم عن مواضعه ومعانيه.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٧٨ الى ٧٩]
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتابَ جهلة لا يعرفون الكتابة فيطالعوا التوراة، ويتحققوا ما فيها. أو التوراة إِلَّا أَمانِيَّ استثناء منقطع. والأماني: جمع أمنية وهي في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر، ولذلك تطلق، على الكذب وعلى ما يتمنى وما يقرأ والمعنى لكن يعتقدون أكاذيب أخذوها تقليدًا من المحرفين أو مواعيد فارغة. سمعوها منهم من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودًا، وأن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودة. وقيل إلا ما يقرءون قراءة عارية عن معرفة المعنى وتدبره من قوله:
تَمَنَّى كِتَابَ الله أَوَّلَ لَيْلِه ... تَمني دَاودَ الزبُورَ على رِسْلِ
1 / 89