175

Tafsīr al-Baghawī – Iḥyāʾ al-Turāth

تفسير البغوي - إحياء التراث

Editor

عبد الرزاق المهدي

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

Genres

مشركو قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ يُحَاجُّونَكُمْ فَيُجَادِلُونَكُمْ وَيُخَاصِمُونَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَالظُّلْمِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْبَاطِلِ يُسَمَّى:
حُجَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشُّورَى: ١٦]، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ خَفْضٌ كَأَنَّهُ قَالَ: [سوى] [١] إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الفراء: نصب [على] الاستثناء، قَوْلُهُ تَعَالَى:
مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ وَلَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يُجَادِلُونَكُمْ بِالْبَاطِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النِّسَاءِ: ١٥٧]، يَعْنِي: لَكِنْ يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ، فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: مَا لَكَ عِنْدِي حَقٌّ إِلَّا أَنْ تظلمني، قَالَ أَبُو رَوْقٍ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الْكَعْبَةَ [قبلة] [٢] لإبراهيم، وَوَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مُحَمَّدًا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا، فَحَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إليها لئلا يكون لهم حجة فيقولوا: إِنَّ النَّبِيَّ الَّذِي نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا وَلَمْ تُحَوَّلْ أَنْتَ، فَلَمَّا حُوِّلَ إِلَيْهَا ذَهَبَتْ حُجَّتُهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ يَظْلِمُوا فَيَكْتُمُوا مَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَوْلُهُ [٣] إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَلَكِنْ إِلَّا فِي مَوْضِعِ وَاوِ الْعَطْفِ، يَعْنِي: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَيْضًا لَا يَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرِ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
مَعْنَاهُ: وَالْفَرْقَدَانِ أَيْضًا يَتَفَرَّقَانِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: فَتُوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ- يَعْنِي لليهود- عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ فَيَقُولُوا: لِمَ تَرَكْتُمُ الْكَعْبَةَ وَهِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنْتُمْ عَلَى دِينِهِ وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ فَيَقُولُونَ لِمَ تَرَكَ مُحَمَّدٌ قِبْلَةَ جَدِّهِ وَتَحَوَّلَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ الْيَهُودِ؟ فَلا تَخْشَوْهُمْ: فِي انْصِرَافِكُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَفِي تَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكُمْ بِالْمُجَادَلَةِ، فَإِنِّي وَلِيُّكُمْ أُظْهِرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ، [عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ] [٤]، وَلِكَيْ أُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِي إِيَّاكُمْ إِلَى قِبْلَةِ إبراهيم، فتتمّ به لكم الملة الحنيفية، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁: تَمَامُ النِّعْمَةِ الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ سَعِيدُ بن جبير: [و] لا يتم [نعمته] [٥] على المسلم إلا أن يدخل الْجَنَّةَ، وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنَ الضَّلَالَةِ، وَلَعَلَّ وَعَسَى مِنَ الله واجب.
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٥١ الى ١٥٢]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ، هذه الكاف للتشبيه، تحتاج إلى شيء ترجع إليه، فقال بعضهم: يرجع إِلَى مَا قَبِلَهَا، مَعْنَاهُ: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رسولا منكم، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: دَعَا إِبْرَاهِيمُ ﵇ بِدَعْوَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [الْبَقَرَةِ: ١٢٨]، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٢٩]، فَبَعَثَ اللَّهُ الرَّسُولَ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَوَعَدَ إِجَابَةَ الدعوة الثانية أن يجعل من [٦] ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً، يَعْنِي: كَمَا أجبت [٧] دعوته ببعث الرسول، كذلك أَجَبْتُ [٨] دَعْوَتَهُ بِأَنْ أَهْدِيَكُمْ لِدِينِهِ وَأَجْعَلَكُمْ مُسْلِمِينَ، وَأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ بِبَيَانِ شَرَائِعِ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، معناه:

(١) سقط من المخطوط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «قبله» .
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المطبوع «نعمة» . [.....]
(٦) في المطبوع وحده «في» .
٧ في المطبوع «أجيبت» .
٨ في المطبوع «أجيبت» .

1 / 182