133

Tafsīr al-Baghawī – Iḥyāʾ al-Turāth

تفسير البغوي - إحياء التراث

Investigator

عبد الرزاق المهدي

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

Genres

تُفادُوهُمْ، أَيْ: تُبَادِلُوهُمْ، أَرَادَ مُفَادَاةَ الْأَسِيرِ بِالْأَسِيرِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُخْرِجَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاشْتَرُوهُ بِمَا قَامَ مِنْ ثَمَنِهِ وَأَعْتِقُوهُ، فَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ وَالنَّضِيرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ فِي حَرْبٍ سنين، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائهم وبنو النضير مع حلفائهم وإذا غلبوا خرّبوا دِيَارَهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْهَا، وَإِذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمَعُوا لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ وَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَتُعَيِّرُهُمُ الْعَرَبُ وَتَقُولُ [١]: كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ؟
قَالُوا: إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ، فَيَقُولُونَ: فَلِمَ تقاتلوهم؟ قالوا: إنا نستحي أن نستذل [٢] حلفاءنا، فعيّرهم الله تعالى، فَقَالَ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَنَظْمُهَا: وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ عُهُودٍ: تَرْكَ الْقِتَالِ وَتَرْكَ الْإِخْرَاجِ وَتَرْكَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَفِدَاءَ أَسْرَاهُمْ [٣]، فَأَعْرَضُوا عَنِ الْكُلِّ إِلَّا الْفِدَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتَهُ فِي يَدِ غَيْرِكَ فَدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَقْتُلُهُ بِيَدِكَ، فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، إِلَّا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، فَكَانَ خِزْيُ قُرَيْظَةَ الْقَتْلَ وَالسَّبْيَ، وَخِزْيُ النَّضِيرِ الْجَلَاءَ وَالنَّفْيَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى أَذَرِعَاتٍ وأريحا مِنَ الشَّامِ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وهو عَذَابِ النَّارِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بالتاء.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٨٦ الى ٨٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)
قَوْلُهُ ﷿: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا: اسْتَبْدَلُوا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ، يُهَوَّنُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، لَا يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﷿.
وَلَقَدْ آتَيْنا: أَعْطَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ: التَّوْرَاةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَفَّيْنا: وَأَتْبَعْنَا، مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ: رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ: الدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ، وَهِيَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْإِنْجِيلَ، وَأَيَّدْناهُ: قَوَّيْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُدْسِ» بِسُكُونِ الدَّالِ، وَالْآخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ: الرُّعُبِ وَالرُّعْبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رُوحِ الْقُدُسِ، قَالَ الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بالروح [الروح] [٤] الذي لا نفخ فيه، [و] القدس هُوَ اللَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِيمًا وَتَخْصِيصًا [٥]، نَحْوَ: بَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التَّحْرِيمِ:
١٢]، وَرُوحٌ مِنْهُ [النِّسَاءِ: ١٧١]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقُدُسِ: الطِّهَارَةَ، يَعْنِي: الرُّوحَ الطَّاهِرَةَ، سَمَّى روحه

(١) في المطبوع «يقولون» .
(٢) في المطبوع «تذل» .
(٣) في المطبوع «أسرائهم» وفي المخطوط «أساراهم» والمثبت عن- ط-.
(٤) زيادة عن نسخة- ط- وفي المخطوط «الروع» .
(٥) زيد في المطبوع وحده هاهنا «أي: التي نفخ فيه» .

1 / 140