99

Irshad Caql Salim

تفسير أبي السعود

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

البقرة (٥٢ - ٥١) بالتشديد للتكثير لأن المسالك كانت اثني عشَرَ بعدد الأسباط ﴿فأنجيناكم﴾ أي من الغرق بإخراجكم إلى الساحل كما يلوح به العدولُ إلى صيغة الإفعال بعد إيرادِ التخليصِ من فرعون بصيغة التفعيل وكذا قوله تعالى ﴿وأغرقنا آل فرعون﴾ أريد فرعونُ وقومُه وإنما اقتُصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم وقيل شخصُه كما روُي أن الحسن ﵁ كان يقول اللهم صلَّ على آل محمدٍ أي شخصِه واستُغنى بذكره عن ذكر قومه ﴿وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ ذلك أوغرقهم وإطباقَ البحر عليهم أو انفلاقَ البحر عن طرق يابسة مذللة أوجثثهم التي قذفها البحرُ إلى الساحل أو ينظرُ بعضُكم بعضًا روي أنه تعالى أمر موسى ﵇ أن يسريَ ببني إسرائيلَ فخرج بهم فصبحهم فرعونُ وجنوده وصادفوهم على شاطئ البحر فأَوْحَى الله تعالى إليه أَنِ اضرِبْ بّعَصَاكَ البحر فضربه بها فظهر فيه اثنا عشر طريقًا يابسًا فسلكوها فقالوا نخاف أن يغرَقَ بعضُ أصحابنا فلا نعلم ففتح الله تعالى فيها كُوىً فتراءَوْا وتسامعوا حتى عبروا البحرَ فلما وصل إليه فرعونُ فرآه منفلقًا اقتحمه هو وجنودُه فغشِيَهم ما غشيهم واعلم أن هذه الواقعة كما أنها لموسى معجزةٌ عظيمة تخِرُّ لها أطُمُ الجبال ونعمةٌ عظيمة لأوائل بني إسرائيلَ موجبةٌ عليهم شكرَها كذلك اقصاصها على ماهي عليه من رسول الله ﷺ معجزةٌ جليلةٌ تطمئن بها القلوبُ الأبية وتنقاد لها النفوس الغبية موجبةً لأعقابهم أن يتلقَّوْها بالإذعان فلا تأثرت أوائلُهم بمشاهدتها ورؤيتها ولا تذكرت أو اخرهم بتذكيرهاوروايتها فيالها من عصابة ما أعصاها وطائفةٍ ما أطغاها
﴿وَإِذْ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ لما عادوا إلى مصرَ بعد مهلك فرعونَ وعد الله موسى ﵇ أن يعطيه التوراة وضرب له ميقاتًا ذا القعدة وعشر ذي الحجة وقيل وعد ﵇ بني إسرائيلَ وهو بمصرَ إن أهلك الله عدوَّهم أتاهم بكتاب مّنْ عِندِ الله تعالى فيه بيانُ ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعونُ سأل موسى ربه الكتابَ فأمره بصومِ ثلاثين وهو شهرُ ذي القَعدة ثم زاد عشرًا من ذي الحجة وعبر عنها بالليالي لأنها غُررُ الشهور وصيغة المفاعلة بمعنى الثلاثي وقيل على أصلها تنزيلًا لقبول موسى ﵇ منزلةَ الوعدِ وأربعين ليلةً مفعول ثانٍ لواعدنا على حذفِ المضافِ أي بمقام أربعين ليلة وقرئ وعَدْنا ﴿ثُمَّ اتخذتم العجل﴾ بتسويل السامري إلهًا ومعبودًا وثم للتراخي الرتبي ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أي من بعد مضية إلى الميقات على حذف المضاف ﴿وَأَنتُمْ ظالمون﴾ بإشراككم ووضعِكم للشئ في غير موضعِه وهو حالٌ من ضمير اتخذتم أو اعتراضٌ تذييليّ أي وأنتم قوم عادتكم الظلم
﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ﴾ حين تبتم والعفوُ محوُ الجريمة من عفاه درَسه وقد يجيء لازمًا قال عرفتُ المنزلَ الخالي ... عفا من بعد أحوالِ عفاه كلُّ هتان ... كثير الوبل هطال وقوله تعالى ﴿مِن بَعْدِ ذلك﴾ أي من بعد الاتخاذ الذي هو متناهٍ في القُبح للإيذان بكمال بعد العفو بعد تلك المرتبة من الظلم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكي تشكروا نعمةَ العفو وتستمرّوا بعد ذلك على الطاعة

1 / 101