Tafsīr Abī al-Saʿūd
تفسير أبي السعود
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
Genres
Tafsīr
٢٠٨ - ٢٠٩ ٢١٠ البقرة لاأنفعكم إن كنت معكم ولا أضرُّكم إن كنت عليكم فخلُّوني وما أنا عليه وخُذوا مالي فقَبِلوا منه مالَه فأتى المدينة فيشري حينئذٍ بمعنى يشتري لجريان الحال على صورة الشرى
﴿والله رؤوف بالعباد﴾ ولذلك يكلفهم التقوى ويعرِّضهم للثواب والجملةُ اعتراضٌ تذييلى
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم﴾ أي الاستسلام والطاعةِ وقيل الإسلام وقرئ بفتح السين وهي لغة فيه بفتح اللام أيضًا وقوله تعالى
﴿كَافَّةً﴾ حال من الضمير في ادخلو اأو من السِّلم أو منهما معًا كما في قولِهِ ... خرجتُ بها تمشي تجرُّ وراءَنا ... على أَثَريْنا ذيلَ مِرْطٍ مُرَجَّل ... وهي في الأصل اسمُ لجماعة تكفُّ مُخالِفَها ثم استعملت في معنى جميعًا وتاؤُها ليست للتأنيت حتى يُحتاجَ إلى جعل السِّلم مؤنثًا مثلَ الحربِ كما في قوله ﷿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا وفي قوله ... السلم تأخذ منها مارضيت به ... والحربُ يكفيكَ من أنفاسها جُرَعُ ...
وإنَّما هي للنقل كما في عامة وخاصة وقاطبة والمعنى استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملةً ظاهرًا وباطنًا والخطابُ للمنافقين أو ادخُلوا في الإسلام بكلّيته ولا تخلِطوا به غيَره والخطابُ لمؤمني أهلِ الكتاب فإنهم كانوا يراعون بعضَ أحكام دينهم القديمِ بعد إسلامهم أو شرائع الله تعالى كلِّها بالإيمان بالأنبياء ﵈ والكتب جيعا والخطابُ لأهل الكتاب كلِّهم ووصفُهم بالإيمان إما على طريقة التغليب وإما بالنظر إلى إيمانهم القديم أو في شعب الإسلام وأحكامِه كلها فلا يخلوا بشئ منها والخطاب للمسلمين وإنما خوطب أهلُ الكتاب بعنوان الإيمان مع أنه لا يصِح الإيمانُ إلا بما كلَّفوه الآن إيذانًا بأن ما يدّعونه لا يتمّ بدونه
﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان﴾ بالتفرُّق والتفريقِ أو بمخالفة ما أُمرتم به
﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظاهرُ العداوة أو مُظْهِرٌ لها وهو تعليلٌ للنهي أو الانتهاءِ
﴿فَإِن زَلَلْتُمْ﴾ أي عن الدخول في السلم وقرئ بكسر اللام وهي لغة فيه
﴿مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ﴾ الآياتُ
﴿البينات﴾ والحججُ القطعية الدالَّةُ على حقيقته المُوجبة للدخول فيه
﴿فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ﴾ غالبٌ على أمره لا يعجزه الانتقام منكم
﴿حكيم﴾ لايترك ما تقتضيه الحِكمةُ من مؤاخذة المجرمين المستعصين على أوامره
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ استفهامٌ إنكاري في معنى النفي أي ما ينتظرون بما يفعلون من العِناد والمخالفة في الامتثال بما أُمروا به والانتهاءِ عمَّا نُهوا عنهُ
﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله﴾ أي أمرُه وبأسُه أو يأتيَهم اللَّهُ بأمره وبأسِه فحُذف المأتيُّ به لدِلالة الحال عليه والالتفاتُ إلى الغَيبة للإيذانِ بأن سوءَ صنيعهم موجبٌ للإعراض عنهم وحكايةُ جنايتهم لمن عداهم من أهل الإنصاف على طريقة المباثة وإيرادُ الانتظارِ للإشعار بأنهم لانهماكهم فيمَا هُم فيهِ من موجبات العقوبة
1 / 212