199

Irshad Caql Salim

تفسير أبي السعود

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

تقريرٌ للقُرب وتحقيقٌ له ووعدٌ للداعي بالإجابة ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى﴾ إذا دعوتُهم للإيمان والطاعةِ كما أجيبهم إذا دعَوْني لمُهمّاتهم ﴿وَلْيُؤْمِنُواْ بِى﴾ أمرٌ بالثبات على ما هم عليه ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ راجين إصابةَ الرُشْد أي الحق وقرئ بفتح الشين وكسرِها ولمّا أمرهم الله تعالى بصوم الشهر ومرعاة العِدةِ وحثَّهم على القيام بوظائف التكبير عقّبه بهذه الآيةِ الكريمةِ الدالة على أنه تعالى خبيرٌ بأحوالهم سميعٌ لأقوالهم مجيبٌ لدعائهم مجازيهم على أعمالهم تأكيدًا له وحثًا عليه ثم شرَع في بيان أحكام الصيام فقال
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَائِكُمْ﴾ رُوي أن المسلمين كانوا إذا أمسَوْا حلَّ لهم الأكلُ والشربُ والجِماعُ إلى أن يُصلّوا العشاءَ الأخيرة أو يرقُدوا ثم أن عمرَ ﵁ باشر بعد العِشاء فندِم وأتى النبيِّ ﷺ واعتذر إليه فقام رجالٌ فاعترفوا بما صنعوا بعد العِشاء فنزلت وليلةُ الصيام الليلةُ التي يصبِحُ منها صائمًا والرفثُ كنايةٌ عن الجماع لأنه لا يكاد يخلو من رفث وهو الإفصاحُ بما يجب أن يكنَّى عنه وعُدِّي بإلى لتضمُّنه معنى الإفضاءِ والإنهاء وإيثارُه ههنا لاستقباح ما ارتكبوه ولذلك سمِّي خيانةً وقرئ الرُفوث وتقديمُ الظرف على القائم مَقامَ الفاعلِ لما مرَّ مرارًا من التشويق فإنَّ ما حقُّه التقديمُ إذا أُخِّر تبقى النفسُ مترقبة إليه فيتمكن عندها وقتَ ورودِه فضلَ تمكِّنٍ ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ استئنافٌ مبينٌ لسبب الإحلالِ وهو صعوبةُ الصبر عنهنّ مع شِدة المخالطة وكَثرةِ الملابَسة بهن وجُعل كلٌّ من الرجل والمرأة لِباسًا للآخرَ لاعتناقهما واشتمال كلَ منهما على الآخر بالليل قال ... إذا ما الضجيعُ ثَنَى عِطفَها ... تثنَّتْ فكانت عليه لِباسًا ... أو لأن كلًا منهما يستُر حالَ صاحبِه ويمنعُه من الفجور ﴿عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ استئنافٌ آخرُ مبين لما ذُكر من السبب والاختيانُ أبلغُ من الخيانة كالاكتساب من الكسْب ومعنى تختانون تظلِمونها بتعريضها للعقاب وتنقيصِ حظَّها من الثواب ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ عطفٌ على علِم أي تابَ عليكم لما تُبتم مما اقترفتموه ﴿وَعَفَا عَنكُمْ﴾ أي محا أثرَه عنكم ﴿فالآن﴾ لما نُسخ التحريمُ ﴿باشروهن﴾ المباشرةُ إلزاقُ البَشَرة بالبَشَرة كُنِّي بها عن الجماع الذي يستلزِمُها وفيه دليلٌ على جواز نسخِ الكتاب للسنة ﴿وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ﴾ أي واطلُبوا ما قدّره الله لكم وقرَّره في اللوحِ من الوَلدِ وفيه أن المباشِرَ ينبغي أنْ يكونَ غرضُه الولدَ فإنه الحكمةُ في خلق الشهوة وشرع النكاحِ لا قضاءِ الشهوة وقيل فيه نهيٌ عن العَزْل وقيل عن غير المأتيّ والتقديرُ وابتغوا المحلَ الذي كتب

1 / 201