184

Irshad Caql Salim

تفسير أبي السعود

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

البقرة (١٦٦) المؤمنون فالمعنى حبًا كائنًا كحب المؤمنين له تعالى فلا بُدَّ من اعتبارِ المشابهة بينهما في أصل الحبِّ لا في وصفِه كمًا أو كيفًا لما سيأتي من التفاوت البين وقيل هو مصدرٌ من المبنيِّ للمفعولِ أي كما يُحب الله تعالى ويعظم وإنما استُغني عن ذكر مَنْ يحبه لأنه غير ملبس وأنت خبيرٌ بأنه لا مشابهة بين محبيتهم لأندادهم وبين محبوبيتِه تعالى فالمصيرُ حينئذ ما أسلفناه في تفسير قولِه عزَّ قائلًا كَمَا سُئِلَ موسى مِن قَبْلُ وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في مقام الإضمار لتربية المهابة وتفخيمِ المضاف وإبانةِ كمال قُبحِ ما ارتكبوه ﴿والذين آمنوا أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ﴾ جملة مبتدأة جئ بها توطئةً لما يعقُبها من بيان رخاوةِ حبِّهم وكونِه حسرة عليهم والمفضلُ عليه محذوف أي المؤمنين أشدُّ حبًا له تعالى منهم لأندادهم ومآلُه أن حبَّ أولئك له تعالى أشدُّ من حب هؤلاءِ لأندادهم فيهِ منَ الدَلالة عَلى كون الحبِّ مصدرًا من المبنى للفاعل مالا يخفى وإنما لم يُجعل المفضلُ عليه حبَّهم لله تعالى لما أنَّ المقصودَ بيانُ انقطاعِه وانقلابِه بغضًا وذلك إنما يُتصور في حبهم لأندادهم لكونه منوطًا بمبانٍ فاسدةٍ ومبادٍ موهومةٍ يزول بزوالها قيل ولذلك كانوا يعدلون عنها عند الشدائد إلى الله سبحانه وكانوا يعبُدون صنمًا أيامًا فإذا وجدوا آخَرَ رفضوه إليه وقد أكلت باهلةُ إلهها عام المجاعةِ وكان من حيس وأنت خبيرٌ بأن مدارَ ذلك اعتبارُ اختلال حبِّهم لها في الدنيا وليس الكلام فيه بل في انقطاعه في الآخرة عند ظهورِ حقيقةِ الحال ومعاينةِ الأهوال كما سيأتي بل اعتبارُه مخِلٌّ بما يقتضيه مقامُ المبالغةِ في بيان كمالِ قبحِ ما ارتكبوه وغايةِ عظم ما اقترفوه وإيثارُ الإظهار في موضعِ الإضمارِ لتفخيمِ الحُبِّ والإشعارِ بعلّته ﴿وَلَوْ يَرَى الذين ظَلَمُواْ﴾ أي باتخاذ الأنداد ووضعِها موضعَ المعبود ﴿إِذْ يَرَوْنَ العذابَ﴾ المُعدَّ لهم يومَ القيامة أي لو علِموا إذا عاينوه وإنما أوثر صيغةُ المستقبل لجريانها مجرى الماضي في الدلالة على التحقيق في أخبار علامِ الغيوب ﴿أَنَّ القوة لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ سادّ مسدَّ مفعولي يرى ﴿وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب﴾ عطفٌ عليه وفائدتُه المبالغةُ في تهويل الخطبِ وتفظيعِ الأمر فإن اختصاصَ القوة به تعالى لا يوجب شدةَ العذاب لجواز تركِه عفوًا مع القدرة عليه وجوابُ لو محذوفٌ للإيذان بخروجه عن دائرة البيانِ إما لعدم الإحاطةِ بكنهه وإما لضيق العبارةِ عنه وإما لإيجاب ذكره مالا يستطيعه المعبِّر أو المستمِعُ من الضجر والتفجُّع عليه أي لو علموا إذ رأوُا العذابَ قد حل بهم ولم يُنقِذْهم منه أحدٌ من أندادهم أن القوة لله جميعًا ولا دخل لاحد في شئ أصلًا لوقعوا من الحسرة والندم فيما لا يكاد يوصف وقرئ ولو ترى بالتاء الفوقانية على أن الخطابَ للرسول ﷺ أو لكل أحد ممن يصلُح للخطاب فالجوابُ حينئذ لرأيتَ أمرًا لا يوصَف من الهول والفظاعة وقرئ إذ يُرَوْن على البناء للمفعول ﴿وأن الله شديد العذاب﴾ على الاستئناف وإضمارِ القول
﴿إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا﴾ بدلٌ من إذ يرون أي إذ تبرأ الرؤساء ﴿مِنَ الذين اتبعوا﴾ من الأتْباع بأن اعترفوا ببطلان ما كانوا يدّعونه في الدنيا ويدْعونهم إليه من فنون الكفر والضلالِ واعتزلوا عن مخالطتهم وقابلوهم باللعن كقول إبليس إِنّى كَفَرْتُ بما اشر كتموني من قبل وقرئ بالعكس أي تبرأ الأتْباعُ من الرؤساء والواو في قولِه ﷿ ﴿وَرَأَوُاْ العذاب﴾

1 / 186