Irshad Caql Salim
تفسير أبي السعود
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
البقرة (١١١ - ١١٠)
متعلق بيردّونكم وقوله تعالى
﴿كَفَّارًا﴾ مفعول ثانٍ له على تضمين الرد معنى التصيير أي يصيِّرونكم كفارًا كما في قوله
رَمَى الحِدْثانُ نِسْوةَ آلِ سَعْد
بمقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودًا ... فردَّ شعورَهُنَّ السودَ بيضا
ورد وجوهَهن البيضَ سودا
وقيلَ هُو حالٌ من مفعوله والأول أدخلُ لما فيهِ منَ الدلالةِ صريحًا على كون الكفر المفروضِ بطريق القسر وإيراد الظرف مع عدم الحاجة إليه ضرورةَ كونِ المخاطبين مؤمنين واستحالةِ تحققِ الردِّ إلى الكفر بدون سبق الإيمان مع توسيطه بين المفعولين لإظهارِ كمالِ شناعةِ ما أرادوه وغايةِ بُعدِه من الوقوع إما لزيادة قبحه الصارفِ للعاقل عن مباشرته وإما لممانعة الإيمانِ له كأنه قيل من بعد إيمانكم الراسخ وفيه من تثبيت المؤمنين مالا يخفى
﴿حَسَدًا﴾ علةٌ لودّ أو حال أريد به نعتُ الجمع أي حاسدين لكم والحسَدُ الأسفُ على من له خيرٌ بخيره
﴿مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ متعلق بود أي ودوا ذلك من أجل تشهّيهم وحظوظِ أنفسِهم لا من قِبَل التدين والميل مع الحق ولو على زعمهم أو بحسد أي حسدًا منبعثًا من أصل نفوسهم بالغًا أقصى مراتبه
﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق﴾ بالمعجزات الساطعةِ وبما عاينوا في التوراة من الدلائل وعلموا أنكم متمسّكون به وهم منهمكون في الباطل
﴿فاعفوا واصفحوا﴾ العفوُ تركُ المؤاخذة والعقوبةِ والصفحُ تركُ التثريب والتأنيب
﴿حتى يَأْتِىَ الله بِأَمْرِهِ﴾ الذي هو قتلُ بني قريظة وإجلاء بني النضير واذ لا لهم بضرب الجزية عليهم أو الإذنُ في القتال وعن ابن عباس ﵄ إنه منسوخٌ بآية السيف ولا يقدحُ في ذلك ضرب الغاية لأنها لا تُعْلم إلا شرعًا ولا يخرُجُ الواردُ بذلك من أن يكون ناسخًا كأنه قيل فاعفوا واصفحوا إلى ورورد الناسخ
﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ فينتقمُ منهم إذا حان حينُه وآن أوانُه فهو تعليلٌ لما دلَّ عليه ما قبله
﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ عطفٌ على فاعفوا أُمروا بالصبر والمداراةِ واللَّجَإ إلى الله تعالى بالعبادة البدنية والمالية
﴿وَمَا تُقَدّمُواْ لانْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ﴾ كصلاة أو صدقةٍ أو غيرِ ذلك أيْ أيُّ شيءٍ من الخيرات تقدّموه لمصلحة أنفسِكم
﴿تَجِدُوهُ عِندَ الله﴾ أي تجدوا ثوابه وقرئ تُقْدِموا من أقدم
﴿إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فلا يَضيعُ عنده عملٌ فهو وعد للمؤمنين وقرئ بالياء فهو وعيدٌ للكافرين
﴿وَقَالُواْ﴾ عطف على ود والضميرُ لأهل الكتابين جميعًا
﴿لنْ يدخلَ الجنةَ إلاَّ من كان هودا أو نصارى﴾ أي قالت اليهودُ لنْ يدخلَ الجنةَ إلاَّ من كان هُودًا وقالت النصارى لنْ يدخُلَ الجنةَ إلاَّ من كان نصارى فلفّ بين القولين ثقةً أن السامعَ يردُّ كلًا منهما إلى قائله ونحوُه وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا وليس مرادُهم بأولئك مَنْ أقام اليهوديةَ والنصرانية قبل النسخ
1 / 146