133

Irshad Caql Salim

تفسير أبي السعود

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Publisher Location

بيروت

البقرة (١٠١ - ١٠٠) ليس على تلك الصفة من الكفرة لايجترئ على الكفر بمثل هاتيك البينات قال الحسنُ إذا استُعمل الفسقُ في نوعٍ من المعاصي وقع على أعظمِ أفرادِ ذلك النوع من كفرٍ أو غيره وعن ابن عباس ﵄ أنه قال قال ابنُ صوريا لرسول الله ﷺ ما جئتنا بشئ نعرِفُه وما أُنزل عليك من آية فنتّبعَك لها فنزلت واللام للعهد أي الفاسقون المعهودون وهم أهلُ الكتاب المحرِّفون لكتابهم الخارجون عن دينهم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولًا أوليا
﴿أَوْ كُلَّمَا عاهدوا عَهْدًا﴾ الهمزةُ للإنكارِ والواوُ للعطفِ على مقدر يقتضيه المقام أي أكفَروا بها وهي غاية الوضوحِ وكلما عاهدوا عهدًا ومن جملة ذلك ما أشير إليه في قوله تعالى ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ﴾ من قولهم للمشركين قد أظلَّ زمانُ نبيَ يخرجُ بتصديقِ ما قلنَا فنقتلُكُم مَعَهُ قتلَ عادٍ وإرم وقرئ بسكون الواو على أن تقدير النظم الكريم وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهودَهم مرارا كثيرة وقرئ عوُهِدوا وعهِدوا وقوله تعالى عهدًا إما مصدرٌ مؤكد لعاهَدوا من غير لفظِه أو مفعولٌ له على أنه بمعنى أعطَوُا العهدَ ﴿نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم﴾ أي راموا بالزمام ورفضوه وقرئ نَقَضَه وإسنادُ النبذِ إلى فريق منهم لأن منهم من لم ينبِذْه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي بالتوراة وهذا دفعٌ لما يُتوَهَّم من أن النابذين هم الأقلون وأن من لم ينبِذْ جِهارًا فهم يؤمنون بها سرًا
﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ﴾ هو النبيِّ ﷺ ولتنكير للتفخيم ﴿مِنْ عِندِ الله﴾ متعلق بحاء أو بمحذوف وقع صفة لرسول لإفادة مزيدِ تعظيمِه بتأكيد ما أفاده التنكيرُ من الفخامةِ الذاتية بالفخامة الإضافية ﴿مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من التوراة من حيث أنه ﷺ قرر صِحتها وحقق حَقّيةَ نبوة موسى ﵊ بمَا أُنزل عليه أو من حيث إنه ﵇ جاء على وَفق ما نُعت فيها ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ أي التوراةَ وهم اليهودُ الذين كانوا في عهد النبيِّ ﷺ ممن كانوا يستفتحون به قبل ذلك لا الذين كانو في عهد سليمانَ ﵇ كما قيل لأن النبذَ عند مجيءِ النبيِّ ﷺ لا يتصور منهم وإفراد هذا النبذُ بالذِّكرِ مع اندراجِه تحتَ قوله ﷿ ﴿أَوْ كُلَّمَا عاهدوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم﴾ لأنه معظمُ جناياتِهم ولأنه تمهيدٌ لذكر اتّباعهم لما تتلو الشياطينُ وإيثارِهم له عليه والمرادُ بإيتائها إما إيتاءُ علمِها بالدراسة والحفظ والوقوفِ على ما فيها فالموصولُ عبارة عن علمائهم وإما مجردُ إنزالِها عليهم فهو عبارةٌ عن الكل وعلى التقديرين فوضعُه موضِع الضمير لللإ يذان بكمال التنافي بين ما أُثبت لهم في حيز الصلةِ وبين ما صدرَ عنهُم من النبذ ﴿كتاب الله﴾ أي الذي أوُتوه قال السدي لما جاءهم محمدٍ ﷺ عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراةُ والفرقانُ فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصَفَ وسحرِ هاروتَ وماروتَ فلم يوافق القرآنَ فهذا قوله تعالى ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ الله﴾ الخ وإنما عَبَّر عنها بكتاب الله تشريفًا لها وتعظيمًا لحقِها عليهم وتهويلا لما اجترؤا عليه من الكفر

1 / 135