295

Tafsīr Ibn Bādīs (Fī majālis al-tadhkīr min kalām al-ḥakīm al-khabīr).

تفسير ابن باديس ((في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)).

Editor

علق عليه وخرج آياته وأحاديثه أحمد شمس الدين.

Publisher

دار الكتب العلمية بيروت

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٦هـ - ١٩٩٥م.

Publisher Location

لبنان.

Regions
Algeria
من استوى عنده الانذار وعدم الانذار لا يرجى منه إيمان:
﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠)﴾ [بس:١٠].
لما ذكر- تعالى- عدم إيمانهم لما سبق من علم الله فيهم ذكر هنا سببًا آخر لذلك، وهو استواء الإنذار وعدمه لديهم.
ذكر هذا السبب إثر ما تقدم من وصف حالهم في شدة الإعراض، للتنبيه على أن من فسدت فطرته، وانطمس عقله، يستوي عنده الإنذار وعدمه، فلا يكون منه إيمان على كل حال.
﴿سواء﴾ بمعنى مستو. والهمزة الأولى (١) أصلها للاستفهام، وليس مرادًا هنا، وتسمى في مثل هذا التركيب همزة التسوية، لوقوعها بعد لفظها، ودخولها على الأول من أمرين يراد التسوية ما بينهما. وهي حينئذ من أدوات السبك ولذا يكون تأويل الكلام هكذا: سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك.
المعنى:
إن أكثر أهل مكة الذين حكم الله بعدم إيمانهم، بلغوا من شدة الإعراض والعناد إلى حيث استوى عندهم الضدان: الإنذار وعدم الإنذار، فمحقق منهم عدم الإيمان ومأيوس من صدوره من ناحيتهم.
تحذير:
يذكر الله- تعالى- حالة هؤلاء الذين استوى عندهم الشيء وضده، يحذرنا منها، ومما يؤدي إليها، من إهمال الفطرة وترك النظر.
فإن الإنسان إنما يمتاز على بقية الحيوان بتمييزه بين الحقائق بالفطرة والفكرة، وإدراكه الفوارق ما بينها. فإذا سلب هذه المزية التحق بالعجماوات؛ بل كانت العجماوات خيرًا منه لبقاء فطرتها سليمة لإدراك ما فيها استعدادًا لإدراكه.
...
تجديد الإنذار للمنتفعين به وتبشيرهم:
﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)﴾ [يس: ١١].
لما ذكر تعالى المأيوس من انتفاعهم بإنذار النبي- ﵌ ذكر الذين ينتفعون به تأنيسًا له بهم، وتقوية له بظهور ثمرة إنذاره فيهم.

(١) في قوله: "أَنْذَرْتَهُمْ".

1 / 303