259

Tafsīr Ibn Bādīs (Fī majālis al-tadhkīr min kalām al-ḥakīm al-khabīr).

تفسير ابن باديس ((في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)).

Editor

علق عليه وخرج آياته وأحاديثه أحمد شمس الدين.

Publisher

دار الكتب العلمية بيروت

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٦هـ - ١٩٩٥م.

Publisher Location

لبنان.

Genres

والتوفيق بشكرها، بما يقوم به من أعمال صالحة في رضى الله، كما فعل سليمان ﷺ.
إذا أنعم الله على الأبوين بنعمة الإيمان والصلاح، فهي نعمة على ولدهما إذا اتبعهما، وتكون تلك النعمة من الله عليهما سيما في حسن تربيتهما له وتوجيهه في الوجهة الصالحة.
كما أن نعمة الله على الولد هي نعمة على والديه فهو من أثرهما، ومثل حسناته في ميزانهما، لأنهما أصل ذلك وسببه، ويدعو له الناس، فيدعون لهما ويدعو هو لهما، وقد يؤذن له فيشفع لهما. فالنعمة على الوالد هي نعمة مزدوجة بينهما، ولهذا ذكر سليمان ﷺ نعمة الله على والديه مع نعمته عليه.
الغاية المطلوبة:
إن شعور العبد برضى الله عنه، هو أعظم لذة روحية تعجز عن تصويرها الألسن. وإحلال الرضوان على أهل الجنة أكبر من كل ما في الجنة من نعيم؛ فالغاية التي يسعى إليها الساعون ويعمل لها العاملون هي رضى الله.
فالعمل الصالح ترتضيه العقول، وتستعذبه الفطر، ولكنه لا يفيد صاحبه إذا لم يبغ به مرضاة الله؛ ولهذا قال سليمان ﷺ: ﴿ترضاه﴾.
جمع وتحقيق:
قال الله تعالى:
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢]. فأفاد أن الأعمال سبب في دخول الجنة.
وفي هذه الآية: ﴿وأدخلني برحمتك﴾ فأفاد أن الدخول بالرحمة ولا منافاة ما بينهما.
فالأعمال سبب شرعي لدخول الجنة، والهداية إليه والتوفيق فيه وقبوله هو رحمة من الله جزاء؛ لأنه لا ينتفع به؛ إذ هو الغني عن خلقه، وإنما تفضل فجعله سببًا في نيل ثوابه، ثم تفضل فجعل الجزاء مضاعفًا إلى عشرة أضعاف كثيرة، إلى الموفي للصابرين أجرهم بغير حساب.
دقيقة روحية:
إن الأرواح النورانية الطاهرة السامية لا لذة لها حقيقية في هذا العالم الفاني المادي المنحط، وإنما لذتها الحقيقية في عالمها العالي الأقدس، وفي الرفيق الأعلى الأطهر، وفي معاشرة أمثالها من النفوس الطيبة الزكية، في ذلك القدس الأسنى، فهي دائمة الشوق إليه، والانجذاب نحوه.
ولذا كان من دعوات الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الدخول في الصالحين واللحوق بهم؛ مثل قول سليمان هنا، وقول إبراهيم: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [الشعراء: ٨٣]. وقول يوسف: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٥١].
وفقنا الله لشكر ما مَنَّ به من سابق النعمة، وللقيام فيما بقي من العمر بواجب الخدمة، وختم لنا باللحوق بعباده الصالحين آمين.

1 / 265