90

وإلى عموم الجور وقعت الإشارة في قوله:

ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دآبة

[النحل:61]. ولكن الرحمة العامة أخرت سلطنة الحكم العدل إلى يوم القيامة، الذي هو يوم الكشف، ويوم الفصل والقضاء، فهناك يظهر الأمر تماما، ولهذا قال: { مالك يوم الدين } ، لأنه يوم المجازات بالعدل الحقيقي، والسر فيه أنه لو ظهر الحكم العدل ها هنا، ما جار أحد على أحد ولا تجاسر على ظلمه، ولا افترى على الله وعلى غيره، ولكان الناس أمة واحدة، ولم تكمل مرتبة القبضتين وحكم القدمين ولا مظاهر الأسماء المتقابلة، فأين إذا:

كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطآء ربك وما كان عطآء ربك محظورا

[الإسراء:20]، أي: ممنوعا، فالرحمة العامة تستلزم العطاء الشامل لكل شيء، لا جرم وقع الأمر هكذا، فحقت الكلمة، وعمت النعمة، وظهر حكم الغضب، ثم غلبت الرحمة، فلا يخلو منها شيء من الممكنات، كل منها على حسب حاله وقدر منزلته.

فكما ان رحمته تعالى شاملة واسعة لكل شيء، فكذلك غضبه، إلا ان جانب الرحمة ارجح لكونها ذاتية، والغضب عارض، لقصور الممكن لإمكانه عن قبول النور الأتم.

وإليه الإشارة في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): سبحان من أتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته، واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته.

وكذا الوعد والايعاد شامل للكل، إذ وعده في الحقيقة عبارة عن ايصال كل واحد منا إلى غايته وكماله المعين له أزلا، فكما ان الجنة موعود بها، كذلك النار. ووعيده هو العذاب الذي يتعلق بالإسم المنتقم، فأهل الجنة إنما يدخلونها بالايعاد والابتلاء بأنواع المصائب والمحن، كما ورد في الخبر عنه (صلى الله عليه وآله):

" أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل وقال أيضا: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ".

ثم فوق هذا سر عزيز جدا قلما يجد له ذائقا، وهو ان الكمل من أهل الله كالانبياء والأولياء ومن شاركهم في بعض صفات الكمال، إنما امتازوا عن من سواهم أولا بسعة الدائرة الوجودية، وصفاء جوهر الروح، والاستيعاب الذي هو من لوازم الجمعية، كما نبهت عليه في حقيقة الإنسان الكامل، الذي هو برزخ الحضرتين ومرآتهما، وحضرة الحق مشتملة على جميع الأسماء والصفات، بل هي منبع لسائر النسب والإضافات، والغضب من امهاتها، والمحاذاة الشريفة الصفاتية إنما قامت بين الغضب والرحمة.

Unknown page