Tafsīr Ṣadr al-Mutaʾallihīn
تفسير صدر المتألهين
Genres
" القدرية مجوس هذه الأمة "
، لأنهم يثبتون مبدأين كالمجوس القائلين بيزدان، , وأهرمن.
ومن نظر الى السبب الأول، وعلم كون تلك الأسباب والوسائط بأسرها مستندة على الترتيب المعلوم في سلسلة العلل والمعلولات الى الله استنادا واجبا وترتيبا معلوما على وفق القضاء والقدر، وقطع النظر عن الأسباب القريبة مطلقا، قال بالجبر، وخلق الأفعال، ولم يفرق بينها وبين أفعال الجمادات.
وكلاهما أعور يبصر بإحدى عينيه. أما القدرية فبالعين اليمنى - أي النظر الأقوى الذي به يدرك الحقائق - وأما الجبرية فباليسرى - أي الأضعف الذي به يدرك الظواهر - فأما من نظر حق النظر فأصاب، فقلبه ذو عينين، يبصر الحق باليمنى فيضيف الأفعال إليه خيرها وشرها، ويبصر الخلق باليسرى فيثبت تأثيرهم في الأفعال به سبحانه لا بالاستقلال، ولا بمعنى الاشتراك كما توهم بل بمعنى آخر يعلمه العارف الحكيم، وأشار اليه الصادق (عليه السلام) " لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين " ، فيذهب اليه ويتذهب به وذلك هو الفضل الكبير.
روى صاحب الكافي رحمه الله، عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس عبد الرحمن [عن غير واحد] عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون.
قال: فسئلا (عليهما السلام): هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا: نعم أوسع مما بين السماء والأرض.
وعن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن صالح بن سهل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): سئل عن الجبر والقدر؟ فقال: لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما، فيها الحق التي بينهما؛ لا يعلمها إلا العالم أو من علمها إياه العالم.
وأما من أضاف الأفعال الى الله تعالى بنظر التوحيد، وإسقاط الإضافة، ومحو الأسباب والمسببات كما هي عليها عند الغايات، وعند فناء الممكنات، لا بمعنى خلق الأفعال فينا، أو خلق قدرة وإرادة جديدتين مستقلتين عند صدور الفعل عنا - كما عليه المجبرة -، فهو الذي طوى بساط الكون، وخلص عن مضيق البون، وخرج من البين والأين وفني في العين، لكنه تروح في المحو، ولم يجئ الى الصحو، مستغرقا في عين الجمع، محجوبا بالحق عن الخلق، ما زاغ بصره عن مشاهدة جماله وسبحات وجهه وذاته، الى ملاحظة صفاته، فاضمحلت الكثرة في شهوده، واحتجب التفصيل عن وجوده، وذلك هو الفوز العظيم.
فإذا رجع الى الصحو بعد المحو، نظر الى التفصيل في عين الجمع، غير محتجب برؤية الحق عن الخلق، ولا بالخلق عن الحق، ولا مشتغلا بوجود الصفات عن الذات، ولا بالذات عن الصفات، فذلك هو الولي المحق، والصديق المحقق، صاحب التمكين والتحقيق، ينسب الأفعال الى الله بالايجاد، ولا يسلبها بالكلية عن العباد، كما في قوله تعالى:
وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
Unknown page