Tafsīr Ṣadr al-Mutaʾallihīn
تفسير صدر المتألهين
Genres
والثالث: انه ذكر في مقام الذم والزجر والتقبيح قوله: { إن الذين كفروا سوآء عليهم } الآية، فلو كانوا ممنوعين عن الإيمان غير قادرين عليه، لما استحقوا التقبيح البتة، بل كانوا معذورين كالأعمى في أن لا يرى.
والرابع: إن القرآن إنما أنزل ليكون حجة لله ولرسوله عليهم، لا أن يكون حجة لهم على الله وعلى رسوله، فلو كان العلم والخبر مانعين، لكان لهم أن يقولوا: إنما كفرنا لسبق القضاء على كفرنا، وترك المقضي مستحيل، فلم يطلب المحال منا ولم يأمرنا بالمحال؟!
والخامس: إنه لو كان علمه السابق بعدم الإيمان مانعا عن الإيمان، لوجب أن لا يكون الله قادرا على شيء أصلا. والتالي باطل فكذا المقدم بيان الملازمة: أن الذي علم وقوعه واجب والذي علم عدم وقوعه ممتنع، وشيء من الواجب والممتنع لا يكون مقدورا، إذ المصحح للمقدورية هو الإمكان، دون قسيميه.
والسادس: إن الأمر بالمحال سفه وعبث، فلو جاز ورود الشرع به، لجاز وروده بكل أنواع السفه، فما كان يمنع وروده باظهار المعجزة على يد الكاذب، فلا يبقى وثوق بصحة النبوات ولا بصحة القرآن وسائر الكتب، بل يجوز أن يكون الكل سفها وباطلا.
والسابع: لو جاز ورود الأمر بالمحال، لجاز الأمر للأعمى برؤية النجوم في السماء، والزمن بالطيران في الهواء، ولو جاز ذلك، لجاز بعثة الأنبياء (عليهم السلام) الى الجمادات والعجماوات، وإنزال الكتب والملائكة عليها لتبليغ التكاليف حالا بعد حال، ومعلوم أن ذلك سخرية وتلاعب بالدين.
قال الصاحب بن عباد في فصل له في هذا الباب: كيف يأمره بالإيمان وقد منعه منه؟ وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه؟ وكيف يصرفهم عن الإيمان ثم يقول:
أنى يصرفون
[غافر:69]. ويخلق فيهم الإفك ثم يقول:
أنى يؤفكون
[المائدة:75]. وأنشأ فيهم الكفر ثم يقول:
Unknown page