{ قتل الإنسان ما أكفره } الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب، وقيل: في القوم الذين تقدم ذكرهم في أول السورة، وقيل: معناه لعن الإنسان وهو الكافر، وقيل: دعا عليه، أي قاتله الله تعالى يعني أي شيء أوجب أن يكفرهم بين { من أي شيء خلقه } ، فقال: { من نطفة خلقه } وهو ماء الرجل والمرأة { فقدره } أي أحسن التقدير، وقيل: نقله من حال الرحال إلى حال الكمال { ثم السبيل يسره } أي سهل له الطريق، وقيل: طريق خروجه من بطن أمه، وقيل: طريق الخير والشر بين له ذلك { ثم أماته } قيل: خلق الموت فيه { فأقبره } قيل: صيره بحيث يقبر، وقيل: أمر بأن يقبر ولم يجعله فيمن يلقى إلى السباع والطير، وقيل: أضاف الاقبار إلى نفسه لأنه خلق الأرض الذي يقبر فيها وأمر بأن يقبر { ثم إذا شاء أنشره } أحياه بعد موته للجزاء { كلا } ردع على الكفار أي ليس الأمر كما ظن، وقيل: حقا { لما يقض ما أمره } الله به { فلينظر الإنسان إلى طعامه } أي ما يطعمه من الأطعمة اللذيذة كيف خلقها تعالى، وقيل: فلينظر إلى مدخله ومخرجه { أنا صببنا الماء صبا } أنزلنا الغيث من السحاب { ثم شققنا الأرض شقا } لنخرج النبات مع ضعفه { فأنبتنا فيها } في الأرض { حبا } أراد جنس الحبوب وما فيها من العنب { وقضبا } قيل: الرطبة عن ابن عباس، وقيل: العلف يعني أقوات الأنعام { وزيتونا } الذي منه الزيت { ونخلا } { وحدائق غلبا } أي بساتين تشتمل على أشجار عظام غلاظ مختلفة، وقيل: غلبا مكثفة، وقيل: طولا، وقيل: النخل الكرام { وفاكهة } سائر أنواع ما يتفكه { وأبا } قيل: هو التين { متاعا لكم ولأنعامكم } { فإذا جاءت الصاخة } أي القيامة، وقيل: هي النفخة الثانية { يوم يفر المرء من أخيه } { وأمه وأبيه } { وصاحبته وبنيه } أي من زوجته { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } أي أمر عظيم يكفيه لا يفرع إلى غيره، وقيل: أول من يفر عن أخيه هابيل، ومن أبويه إبراهيم ، وصاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح (عليه السلام) { وجوه يومئذ مسفرة } مضيئة متهللة من أسفر الصبح إذا أضاء { ضاحكة مستبشرة } من قيام، وقيل: من آثار الوضوء { ووجوه يومئذ عليها غبرة } غبار يعلوها فيه سواد كالدخان وكان الله عز وجل يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة كما جمع الفجور إلى الكفرة { ترهقها قترة } قيل: ظلمة وسواد وقيل: هو الدخان، وقيل: هو الغبار { أولئك هم الكفرة الفجرة } من تقدم ذكرهم الخارجون عن أمر الله.
[81 - سورة التكوير]
[81.1-14]
وقوله: { إذا } شرط والجواب قوله: { علمت } { الشمس كورت } قيل: ذهب ضوؤها ونورها، والكور: اللف والطي والتكوير نظائر، كور العمامة تكويرا، وقيل: التفت { وإذا النجوم انكدرت } قيل: تناثرت، وقيل: ذهب ضوؤها { وإذا الجبال سيرت } على وجه الأرض فصارت هباء منبثا { وإذا العشار عطلت } يعني النوق الحوامل التي قرب نتاجها، عطلت أهملت يدكها أربابها لما دهمهم من عظيم ذلك اليوم { وإذا الوحوش حشرت } جمعت يوم القيامة من كل ناحية، قال قتادة: يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص، وقيل: إذا قضي بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم، وعن ابن عباس: حشرها موتها { وإذا البحار سجرت } قرئ بالتخفيف والتشديد من سجر التنور إذا ملأه بالحطب، وفجر بعضها إلى بعض حتى يعود بحرا واحدا، عن الحسن: يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة، وقيل: يجعل ماؤها نيرانا يعذب به أهل النار، وقيل: بحار في جهنم من الحميم يعذبون بها { وإذا النفوس زوجت } قرن كل إنسان بشكله من أهل الجنة وأهل النار، وقيل: زوجت ردت الأرواح إلى الأجساد، وقيل: زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين والكفار بالشياطين، وقيل: زوجت النفوس بأعمالها { وإذا الموؤدة سئلت } يعني الجارية المدفونة حية، قيل: كانوا إذا ولدت بنتا فأرادوا قتلها حفروا لها قبرا ثم يقول لأمها: زينيها لأذهب بها إلى إحمائها، فيذهب بها فيضعها في الحفرة ويهيل التراب عليها، وقيل: كانت الحامل إذا أقربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة، وإذا ولدت ابنا حبسته، وكانوا يقولون: ان الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به وإنما فعلوا ذلك خوف العار لهم من أجلهن أو الخوف من إملاق، وسئلت: يعني سئل الموؤدة لماذا قتلت؟ وبأي ذنب؟ وهذا سؤال للقاتل، وقيل: سئلت طلبت القاتل الحجة في قتلها { وإذا الصحف نشرت } كيف أعمالهم { وإذا السماء كشطت } قلعت من مكانها ونزعت { وإذا الجحيم سعرت } أوقدت حتى ازدادت شدة، وقيل: سعرها غضب الله وخطايا بني آدم { وإذا الجنة أزلفت } أي قرنت بما فيها من النعم ليزداد المؤمن سرورا وأهل النار حسرة { علمت نفس ما أحضرت } من خير وشر، ومعناه علمت كل نفس ما عملت ووجب جزاؤه لأن الأعمال لا يصح عليها الإحضار، وقيل: تحضر الصحائف.
[81.15-29]
{ فلا أقسم بالخنس } قيل: معناه أقسم ولا صلة وزيادة، وقيل: هو كقولهم لا والله لا أفعل، وقيل: أقسم برب الخنس، وقيل: معناه أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلائل في التوحيد، وقيل: الخنس: النجوم، عن أمير المؤمنين: " لأنها تبدو بالليل وتخنس بالنهار " وقيل: هي بقرة الوحش، وقيل: هي الظباء { الكنس } الغيب من كنس الوحش إذا أدخله كناسة، وقيل: هي الدراري الخمسة: بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس، فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس، وقيل: هي جميع الكواكب، تخنس بالنهار فتغيب من العيون وتكنس الليل أي تنقطع في أماكنها كالوحوش في كناسها { والليل إذا عسعس } أدبر ظلامه، وقيل: أقبل بظلامه، وقيل: أظلم { والصبح إذا تنفس } أسفر وأضاء { إنه لقول رسول كريم } قيل: جبريل، وقيل: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { ذي قوة } في العلم والعمل من قوته أنه قلع مدائن قوم لوط بريشة من جناحه { عند ذي العرش مكين } أي عند رب العرش وخالقه رفيع المنزلة { مطاع ثم } قيل: في السماوات وهو جبريل تطيعه الملائكة، وقيل: محمد مطاع في الأرض { وما صاحبكم } يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { بمجنون } كما كانوا يزعمون { ولقد رآه } يعني أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها { بالأفق المبين } مطلع الشمس الأعلى، وعن ابن عباس:
" أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لجبريل: " إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون عليها في السماء " ، فواعده عرفات، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا هو جبريل أقبل من جبال عرفات ملأ ما بين المشرق والمغرب فرأسه في السماء ورجلاه في الأرض فخر مغشيا فتحول إلى صورته وضمه إلى صدره "
، المبين: الواضح، كأنه رآه عيانا نهارا { وما هو على الغيب بضنين } بالظاء بمتهم فيما يقول وبالضاد ببخيل فيما يؤدي { وما هو بقول شيطان رجيم } أي ليس بكذب تأتي به الشياطين { فأين تذهبون } أي إلى أين تهربون عن الحق الذي ظهر، وقيل: إلى أين تعدلون عن هذا القرآن وهو الشفاء والهدى { إن هو إلا ذكر للعالمين } للخلق بما يحتاجون { لمن شاء منكم أن يستقيم } على أمر الله، والآية تدل على أن العبد مخير يقدر على الخير والشر { وما تشاؤون } الاستقامة { إلا أن يشاء الله } أن يخبركم { رب العالمين }.
[82 - سورة الإنفطار]
[82.1-8]
Unknown page