وقوله: { فاسعوا إلى ذكر الله } قيل: امضوا إليه مسرعين، وقيل: ما أمروا بالسعي على الأقدام وقد نهوا أن يؤتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع، والمراد بالذكر قيل: بالخطبة، وقيل: الصلاة والله أعلم { وذروا البيع } ، قيل: يحرم البيع عند الأذان الثاني، وقيل: عند خروج الإمام { إن كنتم تعلمون } بمصالح نفوسكم { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } أي تفرقوا للتصرف والتجارة وهو إباحة وليس بأمر، وروي: ليس أتطلب شيئا ولكن عيادة مريض أو حضور جنازة وزيارة أخ في الله، وقيل: هو طلب العلم، وقيل: التطوع { وإذا رأوا تجارة أو لهوا }
" وروي أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد، فقدم دحية والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة، فقاموا اليه خشيوا أن يسبقوا فما بقي معه الا نفر يسير، قيل: ثمانية، وقيل: أحد عشر، وقيل: ثمانية عشر، وقيل: أربعون فقال (عليه الصلاة والسلام ): " والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لأظلم الله عليهم الوادي نارا "
وكانوا إذا قيل لهم: العير استقبلوها بالطبل والتصفيق وهو المراد باللهو، وعن قتادة: فعل ذلك ثلاث مرات وقرئ { انفضوا } وقرئ اليهما { قل } يا محمد { ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } سبحانه وتعالى.
[63 - سورة المنافقون]
[63.1-4]
قوله تعالى: { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } فيما أظهروا { اتخذوا ايمانهم جنة } أي جعلوا ايمانهم الكاذبة سترة يدفعون عن أنفسهم ما يخافون من القتل والأسر وسائر المكاره { فصدوا عن سبيل الله } أي أعرضوا بذلك عن دين الإسلام { إنهم ساء ما كانوا يعملون } من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله { ذلك بأنهم آمنوا } ظاهرا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { ثم كفروا } إذا خلوا بالمشركين، وقيل: المراد بالإيمان التصديق، أي صدقوا النبي ظاهرا ثم جحدوه باطنا { فطبع على قلوبهم } وسم عليها بسمة الكفر بأنهم لا يؤمنون لتعرف الملائكة بحالهم { فهم لا يفقهون } أي لا يعلمونه الحق من حيث لا يتفكرون حتى يعلموا الحق والباطل { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة } وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعجبون منهم شبه المنافقين بالخشب المسندة، ووجه الشبه أن أجسامهم لحسن صورتها واستواء خلقها وقامتها تعجب الناظر، ولكن لخلوها من الخير { كأنهم خشب مسندة } أشباح بلا أرواح، وقيل: الشبه وقع في الخشب المتكلة يحسبها من رآها سليمة من حيث أن ظاهرها يروق الخير وباطنها لا يفيد، كذلك المنافق، وكان عبد الله ظاهره يعجب وباطنه خال من الخير { وإن يقولوا تسمع لقولهم } من حسن كلامهم وقولهم للمؤمنين إنا منكم { يحسبون } يظنون { كل صيحة عليهم } وذلك لخبثهم وما في قلوبهم من الرعب إذا نادى منادي من العسكر أو فلتت دابة أو انشدت ضالة ظنوا إيقاعا بهم، وقيل: كانوا على وجل أن ينزل الله بهم ما يهتك أستارهم هم أي لفرط خبثهم وشدة ضررهم على المسلمين { فاحذرهم } أي احذر مخالطتهم، ولا تأمنهم لأنهم كانوا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار، ويفسدون من قدروا عليه من المؤمنين { قاتلهم الله أنى يؤفكون } ، قيل: هذا دعاء عليهم بالهلاك، وقيل: لعنهم الله أنى يؤفكون أي أنى يصرفون عن الحق مع كثرة الدلالات، وقيل: كيف يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم.
[63.5-8]
{ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } ، قيل: أمالوها، وقيل: حركوها استهزاء حيث دعوهم إلى الحق { ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون } { سواء عليهم استغفرت لهم } ، قيل: نزلت الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذلك أنه بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن بني المصطلق يجتمعون لحربه، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحربهم ولقيهم على مائهم واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق وغنموا أموالهم ونساءهم وذراريهم، والناس على اذ وقع بين أجير لعمر بن الخطاب وبين حليف للخزرج مشاجرة بسبب الماء، فصرخ جار عمر بالمهاجرين وصرخ حليف الأنصار بالأنصار، وأعان هذا وهذا بعضهم، فقال عبد الله بن أبي وعنده قومه وفيهم زيد بن أرقم غلام حدث السن: والله ما مثلنا ومثلهم إلا كقول القائل سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، عزا بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال لقومه: هذا فعالكم بأنفسكم فلا تنفقوا عليهم { حتى ينفضوا } من حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال زيد بن أرقم: أنت والله الذليل ومحمد في عزة من الرحمان، فأخبر محمدا بذلك، فأرسل إلى عبد الله: " ما هذا الذي بلغنا منك " فحلف أنه لم يقل، فجاء عبد الله بن عبد الله فاستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتل أبيه فأبى، فلما قدموا المدينة أنزل الله هذه السورة في تكذيب عبد الله وتصديق زيد، وكان عبد الله خارج المدينة، فلما أراد دخولها منعه ابنه وجاء وسيفه مسلول وقال: لا أدعك تدخل حتى يأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول رسول الله الأعز وأنت الأذل وابن الأذل، ففعل، وأذن له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدخول وقال لابنه: " دعه فإنا نحسن معاشرته لمكانك " { ولله خزائن السماوات والأرض } مقدوراته يخلق ما يشاء ويرزقهم من وجه آخر { ولله العزة } لأنه القادر على ما يشاء وللرسول بإظهاره وإعلاء كلمته وللمؤمنين بالنصرة لهم في الدنيا.
[63.9-11]
{ يأيها الذين آمنوا لا تلهكم } الآية، قيل: نزلت في المنافقين الذين آمنوا ظاهرا، وقوله: { من الصالحين } المؤمنين المخلصين، وقيل: نزلت في المؤمنين وأراد بالصالحين أي بالأعمال الصالحة { عن ذكر الله } ، قيل: أراد جميع طاعاته، وقيل: أراد الصلوات الخمس { ومن يفعل ذلك } أي يلهو عن ذكر الله { فأولئك هم الخاسرون } خسروا ثواب الله { وانفقوا مما رزقناكم } ، قيل: في الجهاد، وقيل: في سبيل البر وتدخل فيه الزكاة { من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب } أي أمهلتني، وذلك إذا عاين عذاب الآخرة سأل الرجعة { فأصدق } أي أتصدق { وأكن من الصالحين } ، قيل: من المؤمنين المخلصين، والآية في المنافقين، وقيل: من المطيعين لله والآية في المؤمنين، وروي: لا ينزل بأحد الموت ولم يحج ولا أدى الزكاة الا تمنى الرجعة ويقول: { لولا أخرتني إلى أجل قريب } زمان قليل ولن يجاب، ولو رأى خيرا ما سأل الرجعة { ولن يؤخر الله } نفي التأخير على وجه التأكيد { والله خبير بما تعملون } أي عليم بأعمالكم فيجازيكم عليها وقرئ تعملون بالياء والتاء.
Unknown page