306

Tafsir

تفسير الأعقم

Genres

{ الله أعلم بإيمانهن } منكم { فإن علمتموهن مؤمنات } العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات { فلا ترجعوهن إلى الكفار } فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين لأنه حل بين المؤمنة والمشرك { وآتوهم ما أنفقوا } وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور، وذلك الصلح الحديبية كان على أن من آتاهم من أهل مكة رد اليهم ومن اتى مكة منكم لم يرد إليكم، وكتبوا بذلك كتابا وختموه فجاءت سيفه بنت الحارث الأسلمية مسلمة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديبية، فأقبل زوجها مسافر المخزومي، وقيل: صيفي بن الراهب فقال: يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد لنا من أتاك وهذه طينة الكتاب لم تجف، فنزلت بيانا لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء، وعن الضحاك: كان بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين المشركين عهد أن لا يأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج أن ترد إلى زوجها الذي أنفق عليها وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشرط مثل ذلك، وعن قتادة: ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد ببراءة فاستحلفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق وزوجها عمر { ولا جناح عليكم } أيها المؤمنون { أن تنكحوهن } يعني النساء المهاجرات وإن كان لهن أزواج في دار الكفر لأن الإسلام فرق بينهما { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي بعقد الكوافر، فمن كانت له امرأة بمكة فقد انقطعت عصمتها عنه، والتمسك بعصم: الأخذ بالأيدي، وذلك عبارة عن التزويج، وقيل: يفرق بينهما الإسلام { واسألوا ما أنفقتم } عليهن من الصداق { وليسألوا ما أنفقوا } يعني الكفار ما أنفقوا من الصداق، فرد المهر من الجانبين منسوخ، وإذا جاءت امرأة مهاجرة وجاء زوجها وقد وقع الصلح على الرد لا ترد ولا مهرها وهو قول الهادي { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } يعني إذا لحقت امرأة منكم بالكفار { فعاقبتم } أي أصبتم الغنيمة { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } من المهر وكان رد الصداق على الزوج من الغنيمة فنسخ ذلك { يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } لا يعبدن غيره { ولا يسرقن } وهو أخذ مال الغير { ولا يقتلن أولادهن } وهو ما كانت العرب عليه من دفن البنات، وقيل: هو قتل الأولاد في الأرحام { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } يعني لا يأتين بكذب في مولود وجد بين أيديهن وأرجلهن، وقيل: هو السحر والسعي بالنميمة، وقيل: كانت المرأة تلتقط الولد وتقول لزوجها هذا ولدي منك، فهذا هو البهتان المفترى، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا، وعمر أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لئلا يعرفها، فقال (عليه السلام): " أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا " فرفعت هند رأسها وقالت: والله عندنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمرا ما أراك أخذته على الرجال، تبايع الرجال على الاسلام والجهاد، فقال (عليه السلام): { ولا يسرقن } ، فقالت: ان أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله هيات فما أدري أتحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت في مضى وفيما عبر فهو لك، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعرفها فقال: " وإنك لهند بنت عتبة " فقالت: نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفى الله عنك، فقال: { ولا يزنين } ، فقالت: أوتزني الحرة؟ وفي رواية ما زنت منهن امرأة قط، فقال: { ولا يقتلن أولادهن } ، فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتيلا يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { ولا يأتين ببهتان } ، فقالت: والله ان البهتان لأمر قبيح وما يأمر إلا بالرفق ومكارم الأخلاق، فقال: { ولا يعصينك في معروف } ، فقالت: والله ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء فإن قيل: كيف بايعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قيل: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا بقدح من ماء فغمس يده ثم غمس أيديهن، وقيل: صافحهن وكان على يده ثوب، وقيل: كان عمر يصافح عنه، وروي أن بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم فقيل لهم: { لا تتولوا قوما } مغضوبا { عليهم قد يئسوا من الآخرة } انه يكون لهم حظا فيها لعنادهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم يعلمون أنه الرسول المنعوت في التوراة { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } أي من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء، وقيل: من أصحاب القبور بيان للكفار، أي كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة تبينوا حالهم وقبح منقلبهم.

[61 - سورة الصف]

[61.1-6]

{ يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } الآية نزلت في قوم قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليه فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا فيه، وقيل: نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وقاتلنا ولم يفعلوا شيئا، وقيل: كان رجل أذى المسلمين يوم بدر فقتله صهيب فقال رجل: أنا قتلت فلانا، ففرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عمر وعبد الرحمان: إنما قتله صهيب فنزلت، وقيل: نزلت في المنافقين ونداؤهم بالإيمان تهكم بهم، وقيل: لما أخبر الله تعالى رسوله بثواب شهداء الله ببدر قالت الصحابة: إن لقينا بعده قتالا فلنبلغن جهدنا، ثم فروا يوم أحد فعيرهم الله تعالى بهذه الآية: { كبر مقتا } والمقت أشد البغض وأبلغه { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } محكم لا خلل فيه ولا يمكن نقضها، كأنه رص بعضها إلى بعض، والمراد الثبات في الحرب لأن من كان صاحب نية وعزيمة لا يزال في الحرب كما لا يزال البنيان المحكم، ثم ذكر حديث موسى في صدق نيته تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال سبحانه: { وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني } الايذاء هو تكذيبهم في الأحوال، وقيل : رموه بالأدرة، وقيل: رميه بهتك هارون { وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } لأن الإيذاء مع العلم بكونه رسولا أعظم { فلما زاغوا } أي مالوا عن الحق والاستقامة { أزاغ الله قلوبهم } قيل: جازاهم على زيغهم بالغرق والعذاب فسمي عقوبة الزايغ زيغا، وقيل: خلاهم ومنعهم الألطاف { والله لا يهدي القوم الفاسقين } أي لا يهديهم إلى الجنة والرحمة أو لا يحكم بالهداية، ثم عطف بقصة عيسى على قصة موسى تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما كذبوه قومه فقال سبحانه: { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ومحمد من أسماء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حسان:

فذوا العرش محمود وهذا محمد

{ فلما جاءهم بالبينات } يعني عيسى جاءهم بالبينات وهي المعجزات والحجج الدالة على نبوته كإحياء الميت وإبراء الأكمه والأبرص { قالوا هذا سحر } أي تخييل وتمويهات { مبين } أي يبين في ذلك ظاهر، وقيل: جاءهم أحمد بالبينات { قالوا هذا سحر مبين }.

[61.7-14]

{ ومن أظلم } أي من أشد ظلما { ممن افترى على الله الكذب } أي يختلق الكذب عليه ويقول لمعجزاته سحر ويقول للرسول أنه كاذب { وهو يدعى إلى الإسلام } الطاعة، ويقول الله: لم يرد منا الإسلام ولو فعل ذلك آمنا { والله لا يهدي القوم الظالمين } لا يحكم بهداية من ظلم، وقيل: لا يثيبه ولا يهديه إلى جنته، وقيل: لا يلطف بهم { يريدون ليطفئوا نور الله } لام ليطفئوا لام كي، أو بمعنى أن تقديره أن يطفئوا نور الله، يعني هؤلاء الكفار في إرادتهم إبطال الاسلام بقولهم في القرآن هذا سحر مبين، مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور بفيه ليطئفه { والله متم نوره } أي متم الحق ومبلغه غايته ومظهر كلمته ومؤيد دينه { ولو كره الكافرون } ذلك هو { الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } قيل: الهدى الايمان، ودين الحق الشرائع { ليظهره على الدين كله } ليظهر الرسول الدين وليحكم به دون سائر الأديان، وقيل: ليظهر الله الدين على سائر الأديان { ولو كره المشركون } ظهوره { يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم } تخلصكم { من عذاب أليم } موجع وهو عذاب النار { تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم } يدخل فيه أنواع الجهاد فجهاد مع الكفار بالحجة أولا وبالسيف آخرا، وجهاد المبتدعة بالحجة، وجهاد النفس بالصبر على الطاعة { ذلكم } بذل الجهد مع طاعة الله { خير لكم إن كنتم تعلمون } الخير والشرائع { يغفر لكم ذنوبكم } إذا تبتم { ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } أي يجري الماء تحت الأشجار والأبنية و { مساكن طيبة } ، أي مواضع يسكنونها طيبة من طيبها لا يبغون عنها حولا، سأل الحسن عمران بن الحصين وأبي هريرة عن تفسير { ومساكن طيبة } فقالا: على الخبير سقطت، سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فقال:

" قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، وفي كل بيت سبعون مائدة من ألوان الطعام "

{ في جنات عدن } أي في إقامة لا طعن عنها { ذلك الفوز العظيم } الظفر المطلوب { وأخرى } ولكم خصلة، أي مع الثواب الدائم، وقيل: تجارة أخرى { تحبونها } الهاء كناية عن محذوف، أي تحبون الخصلة، ثم فسرها بقوله: { نصر من الله وفتح قريب } ، وقيل: بل هو فتح مكة، وقيل: بل هو عام وقد توالت فتوح الإسلام، ومعنى قريب كونه { يأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله } ، وقيل: أنصار أوليائه ونبيه { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين } هم أول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلا، وحواري الرجل صفيه وخلاصته من الحوار وهو البياض الخالص، وقيل: كانوا صيادين السمك، وقيل: الحواري خاصة الإنسان لأنهم خلصوا من كل عيب { قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } الكفار { فأصبحوا ظاهرين } أي غالبين قاهرين، وقيل: أيدنا من كان في زمانهم على من كفر بعيسى، وعن زيد بن علي (رضي الله عنه): كان ظهورهم بالحجة.

Unknown page