{ اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } كلمة جامعة في الترغيب فيهم، أي لا تخسرون عليهم شيئا في دنياكم وتربحون صحة دينكم فينظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة، ثم أبرز الكلام في موضعين المناصحة لنفسه وهو يريد لهم فقال: { وما لي لا أعبد الذي فطرني } مكان قوله: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، ألا ترى إلى قوله: { وإليه ترجعون } ولو أنه قصد ذلك لقال: وإليه ارجع، وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال: { إني آمنت بربكم فاسمعون } قولي وأطيعوني فقد نهيتكم { أأتخذ من دونه آلهة } يعني كيف أترك عبادة الفاطر واتبع عبادة الحجر { إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون } { إني إذا } أي لو فعلت ذلك لكنت { في ضلال مبين } { إني آمنت بربكم فاسمعون } ، قيل: خطاب للرسل فاسمعوا لتشهدوا لي، وقيل: خطاب لقومه أي اسمعوا قولي: نصحي، فلما قال هذا قتلوه.
[36.26-39]
{ قيل ادخل الجنة } ، قيل: جنة الخلد، وقيل: جنة في السماء { قال يا ليت قومي يعلمون } { بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين } من المعظمين { وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء } كما فعل يوم بدر والخندق، قال جار الله: فإن قلت: وما معنى قوله: { وما كنا منزلين } ، قلت: معناه وما صح في حكمتنا إن ننزل في إهلاك قوم حبيب { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون } ميتون هالكون، وقيل: صاح بهم جبريل فماتوا { يا حسرة على العباد } ، قيل: معناه حلوا محل من يتحسر عليه، وقيل: معناه يا حسرة على العباد على أنفسهم، وهو متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين { ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون } ، قيل: هذا من كلام الرجل المؤمن، وقيل: إنما نفع هذه عند النزع، وقيل: في القيامة { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون } يعني ألم يعلموا أهل مكة كم أهلكنا مثل عاد وثمود وغيرهم { أنهم إليهم لا يرجعون وإن كل لما جميع لدينا محضرون } للجزاء والحساب { وآية لهم الأرض الميتة } التي لا نبات فيها { أحييناها } بالنبات { وأخرجنا منها } من الأرض { حبا } وهو ما يأكلون { فمنه يأكلون } { وجعلنا فيها جنات } بساتين { من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون } أو الماء الخارج من العيون { ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم } والمعنى ليأكلوا مما خلق الله من الثمار وما عملته أيديهم من الغرس والسقي، وقيل: الذي عملته أيديهم كالخبز وغيره من أنواع الأشربة { أفلا يشكرون } هذه النعمة { سبحان الذي خلق الأزواج كلها } أي تنزيها له من الشرك الذي خلق الأزواج قيل: الأصناف والأشكال { مما تنبت الأرض } من الحبوب والفواكه وغيرها { ومن أنفسهم } من الأولاد { ومما لا يعلمون } يعني أشياء من الحيوانات والجماد لا يعلمونها، ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا يصلون إلى معرفتها بطريق من طرق العلم، ولا يبعد أن يخلق الله من الخلائق والحيوان والجماد مما لا يجعل للبشر طريقا إلى العلم به لأنه لا حاجة لهم إلى العلم به في دينهم ودنياهم، ولو كانت لهم إليه حاجة لأعلمهم بما لا يعلمون كما أعلمهم بموجود ما لا يعلمون، وفي الحديث:
" ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر "
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
[السجدة: 17] { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } أي نخرج وننزع، سلخ جلد الشاة إذا كشطه { فإذا هم مظلمون } داخلون في الظلام { والشمس تجري لمستقر لها } حد لها مؤقت مقدر تتهيأ إليه، قيل: مستقرها أجلها الذي أقرها الله سبحانه عليه أمرها في جريها فاستقرت عليه وهو آخر السنة، وقيل: الوقت الذي تستقر فيه وينقطع جريها وهو يوم القيامة لا مستقر لها غيره، أو أراد المنازل في المشارق والمغارب { ذلك تقدير العزيز العليم } القادر على ما يشاء، العالم بجميع الأشياء { والقمر قدرناه منازل حتى عاد } بتقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل، والمعنى قدرنا سيره منازل وهي ثمانية وعشرون منزلة ينزل القمر في كل ليلة في واحدة منها فإذا صار إلى آخر منزلة { عاد كالعرجون } يعني العذق الذي فيه الشماريخ { القديم } المتقادم وإذا تقادم عهده يبس وقوس فشبه به.
[36.40-52]
{ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر } أي لا تدركه بل يعاقبان ويستويان، وذلك أن القمر لا يجمع معه في وقت واحد ويداخله في سلطانه فيطمس نوره { ولا الليل سابق النهار } ولا يسبق الليل النهار يعني آية النهار وهما النيران، ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يجمع الله بين الشمس والقمر وتطلع الشمس من مغربها { وكل في فلك يسبحون } يعني الشمس والقمر والنجوم { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } الصبيان والنساء في الفلك، قيل: في سفينة نوح، وقيل: هي السفن الجارية في البحار، وقيل: الفلك المشحون سفينة نوح، ومعنى حمل الله ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم ذرياتهم { وخلقنا لهم من مثله } من مثل الفلك { ما يركبون } من السفن أو ما يركبون من الابل وهي سفائن البر { وإن نشأ نغرقهم فلا صريح لهم } أي لا مغيث لهم { ولا هم ينقذون } لا ينجون من الموت بالغرق { إلا رحمة منا } بالحياة { ومتاعا إلى حين } إلى أجل يموتون فيه لا بد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق { وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم } ، قيل: اتقوا ما بين أيديكم من عذاب الله ووقائعه كما حل قبلكم بالأمم { و } اتقوا { ما خلفكم } من أمر الساعة وعذاب الآخرة، وقيل: ما خلفكم يعني الذنوب وبين أيديكم ما يأتي من الذنوب، وقيل: ما تقدم من أفعالكم وما تأخر، وقيل: المراد به عذاب الدنيا وعذاب الآخرة { لعلكم ترحمون } { وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين } يعني أعرضوا عنها { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله } أي أعطاكم من نعمة { قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } قالوا ذلك استهزاء وشكا في قدرة الله تعالى { إن أنتم إلا في ضلال مبين } في اتباع محمد، وقيل: هو من قول الله تعالى لهؤلاء الكفار الذين قالوا: { أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } ، وقيل: هو من قول أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { ويقولون متى هذا الوعد } أي القيامة { إن كنتم صادقين } في أنا نبعث { ما ينظرون إلا صيحة واحدة } ، وقيل: الصيحة الأولى عند قيام الساعة تأتيهم بغتة { تأخذهم وهم يخصمون } يعني تأتيهم فجأة وهم في أحوال الدنيا يخاصم بعضهم بعضا، واختلفوا في هذه الصيحة قيل: صيحة الموت ونفخة إسرافيل عند قيام الساعة { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } لو أرادوا الرجوع إلى أهلهم لم يمكنهم { ونفخ في الصور } ، قالوا: النافخ اسرافيل { فإذا هم من الأجداث } القبور { إلى ربهم ينسلون } أي يخرجون سراعا، ونفخة الصور هي نفخة البعث وبين النفختين أربعون سنة، لما رأى القوم أهوال القيامة { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } لأنه رفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون، وقيل: وصفوا القبور بالمرقد لأنهم استقروا فيها، وقيل: عاينوا لأنهم عاينوا عذاب جهنم وأهوال القيامة ومتى قيل: هلا قلتم أنه يدل على عذاب القبر؟ قلنا: عذاب القبر لا يدوم بل ينقطع { هذا ما وعد الرحمان } من البعث { وصدق المرسلون } في ذلك قيل: هذا من قول المؤمنين جوابا للكفار لما قالوا: { من بعثنا من مرقدنا } ، وقيل: بل هو قول الملائكة جوابا لهم، وقال أبو علي: هذا من قول الكفار أقروا ظنا منهم أنه ينفعهم.
[36.53-67]
{ إن كانت إلا صيحة واحدة } ، قيل: النفخة { فإذا هم جميع لدينا محضرون } أي في موضع الجزاء والحساب { فاليوم لا تظلم نفس شيئا } أي لا يبخس أحد حقه { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } أي يجزى كل أحد بعمله { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } كناية عن افتضاض الأبكار، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
Unknown page