ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا
[الأحزاب: 53] { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } أي ذوي الأرحام القرابات بعضهم أولى ببعض في المواريث { في كتاب الله } في اللوح أو فيما أوحى الله إلى نبيه وهو في هذه الآية أو فيما فرض { من المؤمنين والمهاجرين } يجوز أن يكون بيانا لأولي الأرحام أي الأقارب من هؤلاء بعضهم أولى ببعض، ويجوز أن يكون لابتداء الغاية أي أولو الأرحام نحو القرابة أولى بالميراث من المؤمنين نحو الولاية في الدين ومن المهاجرين نحو الهجرة { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا } قيل: توصلوهم، وقوله: { في الكتاب } يعني اللوح المحفوظ، وقيل: في القرآن مكتوبا مسطورا { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } قيل: على ما حملوا والعمل به { ومنك } يا محمد وإنما قدم لشرفه { ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } قيل: هو العهد واليمين بالله على الوفاء بما حملوا والقيام بما حملوا من الرسالة ودعاء الخلق وتبليغ الشرائع والصبر على الأذى { ليسأل الصادقين عن صدقهم } يعني ليسأل الله يوم القيامة عند توافق الأشهاد المؤمنين الذين صدقوا عهدهم وشهادتهم فشهد لهم الأنبياء بأنهم صدقوا عهدهم وشهادتهم وكانوا مؤمنين، أو ليسأل الصادقين الأنبياء ما الذي أجابهم به أمتهم [أممهم]، وقيل: ليسأل الصادقين ليزيدهم سرورا بإظهاره ويسأل الكاذبين توبيخا وليظهر جزاءهم { وأعد للكافرين عذابا أليما }.
[33.9-11]
{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } يعني يوم الأحزاب من قريش وغطفان واليهود { فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } وهم الملائكة وكانوا ألفا بعث الله عليهم صبا في ليلة شاتية فأحصرتهم وسفت التراب في وجوههم، وأمر الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت الأطناب وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم، فانهزموا من غير قتال، وحين سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة، أشار عليه بذلك سلمان الفارسي (رضي الله عنه) ثم خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثة آلاف من المسلمين وضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن، وظن النفاق في المنافقين حتى قال معتب بن قشير: كان محمدا يعدنا كنوز كسرى وقيصر فنحن اليوم لا نقدر أن نذهب إلى الغائط، وكانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف وبني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان، وخرج غطفان في ألف ومن بايعهم من أهل أحد وقائدهم عتبة بن حصن وعامر بن الطفيل في هوازن وبني قريظة، ومضى على الفريقين قريب شهر بغير حرب إلا الترامي حتى وقع النصر { إذ جاؤوكم من فوقكم } من أعلى الوادي، قيل: من المشرق وبنو غطفان { ومن أسفل منكم } من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش تحزبوا وقالوا: سنكون حملة حتى نستأصل محمدا وأصحابه { وإذ زاغت الأبصار } مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة وشخوصا { وبلغت القلوب الحناجر } رأس الغلصمة وهو منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب { وتظنون بالله الظنونا } ظنونا كاذبة، وقيل: هو قولهم ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، وقيل: هي ظنون مختلفة ظن الكافرين أن يستأصلوهم وظن المؤمنين أنهم سينصرهم، وقيل: أراد المنافقين وصفه المسلمين { هنالك ابتلي المؤمنون } أي ابتليوا بالتخلية ليظهر المؤمنين المخلصين { وزلزلوا زلزالا شديدا } أي حركوا بالحرب حركة شديدة تصبروا ووثقوا بالله، وقيل: حركهم الأعداء من كل جهة، وقيل: اضطروا فمنهم من اضطرب خوفا على نفسه من القتل ومنهم من اضطرب على دينه عن أبي علي، قال الحاكم: ولما اشتد على الناس الأمر هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمصالحة القوم على نصف ثمار المدينة تكون لهم فنهاه سعد بن عبادة وخرج عمرو بن ود وطلب البراز فلقيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقتله، وجاء نعيم بن مسعود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أسلم سرا وقال: يا نبي الله الحرب خدعة، وخرج فاغرى بينهم.
[33.12-20]
{ وإذ يقول المنافقون } معتب بن قشير وأصحابه { والذين في قلوبهم مرض } شك وضعف { ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } أي خبر بما لا حقيقة له ولم يعلموا أن النصر في دار الدنيا يكون عقيب الامتحان { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب } قيل: هم المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه، وقيل: هم اليهود الذين هم قرب المدينة { لا مقام لكم } أي ليس هذا موضع إقامة، وقيل: لا إقامة لكم ها هنا { فارجعوا } إلى منازلكم، أمروهم بالهرب من معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: قالوا لهم: ارجعوا كفارا وأسلموا محمدا { ويستأذن فريق منهم النبي } في الرجوع إلى منازلهم وهم بنو حارثة { يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة } ، قيل: مكشوفة ليست بحصينة فأكذبهم الله فإنهم لا يخافون ذلك وإنما يريدون الفرار من الزحف { ولو دخلت } المدينة، وقيل: بيوتهم { من أقطارها } من حواليها { ثم سئلوا } عند ذلك الفزع وهو دخول المدينة { والفتنة } الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين { لأتوها } لجاؤوها وفعلوا، وقرئ لآتوها لأعطوها { وما تلبثوا بها إلا يسيرا } يعني ما لبثوا عن الإسلام إلا ساعة ثم ارتدوا هذا قول أكثر المفسرين، وقيل: ما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل } عاهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، وقيل: هم قوم غابوا عن بدر، وقيل: عاهدوا بعد أحد ألا يفروا بعدما نزل فيهم ما نزل { وكان عهد الله مسؤولا } مطلوبا { قل لن ينفعكم الفرار } مما لا بد لكم من نزوله من موت أو قتل { وإذا لا تمتعون إلا قليلا } في الدنيا ثم الموت، ويقال الدنيا كلها { قل } يا محمد { من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا } يلي أمرهم ويعينهم { ولا نصيرا } ينصرهم { قد يعلم الله المعوقين منكم } المثبطين الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { والقائلين لإخوانهم } يعني اليهود قالوا لإخوانهم من المنافقين، وقيل: القائلون هم المنافقون لإخوانهم من ضعفة المسلمين { هلم إلينا } أي تعالوا إلينا ولا تحاربوا ودعوا محمدا لا تشهدوا معه الحرب { ولا يأتون البأس إلا قليلا } يعني قليلا من المنافقين يخرجون رياء وسمعة يحضرون بأنفسهم ويمنعون غيرهم { أشحة عليكم } بالمواساة بأنفسهم وأموالهم، وقيل: كانوا يحضرون الوقعة للغنيمة كيلا يختص بها المؤمنون { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك } في تلك الحالة كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت { فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد } قيل: جادلوكم مدحوا أنفسهم وذم غيرهم يقولون: نحن فعلنا كذا وضربنا بالسيف كذا، ولم يفعلوا شيئا من ذلك، وقيل: خاصموكم طلبا للغنيمة وقت القسمة ويقولون: أعطونا وانا قد شهدنا معكم القتال، وقيل: اطلقوا ألسنتهم بالمعاذير الكاذبة { أشحة على الخير } قيل: بخلاء الخير، وقيل: يبخلون أن يتكلموا بكلام فيه خير كأنهم عند الخوف أخير القوم وعند القسمة أبخل القوم { أولئك لم يؤمنوا } كما آمن غيرهم بالخير { فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا } هينا { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } أي ظن المنافقون أن جماعات قريش وغطفان وغيرهم من اليهود والذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذهبوا ولم ينصرفوا، وإنما ظنوا ذلك لشدة خبثهم وقلة إيمانهم وقد انهزموا بالريح { وإن يأت الأحزاب } أي رجعوا مرة ثانية { يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } أي كانوا بالبادية مع الأعراب ولم يشهدوا هذا المقام لكراهة الجهاد { يسألون عن أنبائكم } أي عن أخباركم، قيل: يسأل بعضهم بعضا: { ولو كانوا فيكم } يعني المنافقين { ما قاتلوا إلا قليلا } منهم يراؤون بأنهم فيكم وقصدهم الغنيمة.
[33.21-27]
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } أي قدوة حسنة، والقدوة الحسنة أن يقتدوا به في الصبر على الجهاد والشكر على النعمة والثبات في الدين { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } أي يرجو ثوابه ويخاف عقابه { وذكر الله كثيرا } أي من عادتهم ذكر الله كثيرا { ولما رأى المؤمنون الأحزاب } مع كثرتهم واجتماع كلمتهم على حرب المسلمين لم يزدهم إلا الثبات والتسليم والتوكل فقال سبحانه: { هذا ما وعدنا الله ورسوله } قيل: وعدهم عند لقاء المشركين الظفر بهم بظهور دينهم، وقيل: وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوا ويستنصروه في قوله:
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم
[البقرة: 214] فلما جاء الأحزاب { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله } وأيقنوا بالجنة والنصر، وعن ابن عباس (رضي الله عنه) قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه:
Unknown page