[31.16-21]
{ يا بني إنها إن تك مثقال حبة } أي قدر حبة { من خردل } وزن حبة خردل { فتكن في صخرة } وهي الصخرة الذي تحت الأرض وهي السجين يكتب فيها أعمال الكفار { أو في السماوات } في العالم العلوي { أو في الأرض } السفلى { يأت بها الله } أي يجازي بها يوم القيامة { إن الله لطيف خبير } { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف } أي بالطاعات { وانه عن المنكر } أي المعاصي { واصبر على ما أصابك } يجوز أن يكون عاما في كل ما يصيبه من المحن { إن ذلك من عزم الأمور } الواجبة التي أمر الله بها { ولا تصعر خدك للناس } يعني أقبل على الناس بوجهك تواضعا ولا تولهم بشق وجهك وصفحته كما يفعل المتكبرون، وقيل: هو الذي إذا سلم عليه أحد لوى عنقه تكبرا، وقيل: هو يكون بينك وبينه شيء فإذا لقيته أعرضت، وقيل: لا تحتقر الفقير وليكن الفقير والغني عندك سواء { ولا تمش في الأرض مرحا } أي بطرا { إن الله لا يحب كل مختال فخور } أي متكبرا على الناس { واقصد في مشيك } قيل: تواضع ولا تتكبر وليكن مشيك قصد { واغضض من صوتك } وانقص منه واقصر من قولك { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } فشبه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق، وعن زيد بن علي: أراد بالحمير الحمير من الناس وهم الجهال شبههم بذلك وهو أحسن ما قيل فيه قاله الحاكم { ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض } أي ألم تعلموا أنه سخر لمنافعكم ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والسحاب والأمطار وما في الأرض من الحيوان وغير ذلك مما تنتفعون به { وأسبغ عليكم } أي أنعم وأتم { نعمه ظاهرة وباطنة } قيل: الظاهرة الدين والباطنة ما غاب عن العباد وعلمه الله، وقيل: الظاهرة الرزق من حيث يحتسب والباطنة الرزق من حيث لا يحتسب، وقيل: الظاهرة المدخل للغذاء والباطنة المخرج للأذى، وقيل: الظاهرة الإسلام والباطنة الستر { ومن الناس من يجادل في الله } الآية نزلت في النضر بن الحارث { بغير علم } بغير حجة موجبة للعلم { ولا هدى ولا كتاب } أنزله الله تعالى { منير } أي واضح { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله } على محمد وهو القرآن { قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير } وهي نار جهنم فإنه يدعوهم إلى موجباتها وهو الكفر والمعاصي.
[31.22-32]
{ ومن يسلم وجهه إلى الله } مخلص دينه لله ويفوض أمره إليه وإسلام الوجه هو الانقياد له في أوامره ونواهيه { وهو محسن } يفعل الإحسان وهو الطاعات { فقد استمسك بالعروة الوثقى } من باب التمثيل مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من جبل متين مأمون انقطاعه، قيل: هو طاعة الله فيما أمر ونهى { وإلى الله عاقبة الأمور } { ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم } إلى حكمنا مصيرهم { فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور } { نمتعهم قليلا } أي نعمرهم ثم نمهلهم ونعطيهم من ملاذ الدنيا ونعيمها ما ينعمون به مدة قليلة { ثم نضطرهم } قيل: نلجئهم { إلى عذاب غليظ } كقوله:
زدناهم عذابا فوق العذاب
[النحل: 88] { ولئن سألتهم } يعني كفار مكة { من خلق السماوات والأرض ليقولن } هو { الله } وحده { بل أكثرهم لا يعلمون } أن ذلك يلزمهم { لله ما في السماوات والأرض } ملكا وخلقا { إن الله هو الغني الحميد } الغني عن حمد الحامدين المستحق للحمد { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده } الآية عن ابن عباس: أنها نزلت جوابا لليهود لما قالوا قد أوتينا التوراة وفيها كل الحكمة والمعنى ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود { سبعة أبحر } وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد ما نفدت كلماته، وقيل: لو صار جميع أشجار العالم أقلاما والبحر يمده من بعده سبعة أبحر مداد يمد الأقلام { ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } قادر على جميع ذلك، كلمات قيل: كلامه، وقيل: معلوماته { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } يعني القليل والكثير والابتداء والإعادة في مقدوره سواء لا يصعب عليه شيء من ذلك { إن الله سميع } لأقوالكم { بصير } بضمائركم، قوله تعالى: { ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } قيل: المراد به إدخال أحدهما على الآخر وينقص من أحدهما ويزيد في الآخر { وسخر الشمس والقمر } بأن أجراهما لمنافع الخلق { كل يجري لأجل مسمى } قيل: هو يوم القيامة { وأن الله بما تعملون خبير } عليم بأعمالكم { ذلك بأن الله هو الحق } وأن ما تدعونه هي الأصنام هو الباطل { وأن الله هو العلي الكبير } القادر القاهر { ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله } أي برحمته { ليريكم من آياته } من حججه { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } لنعمائه { وإذا غشيهم موج كالظلل } في ارتفاعه وتغطية ما فيه، وقيل: كالجبال، وقيل: كالسحاب، وهو جمع ظلة وكل شيء أظلك فهو قلة { دعوا الله مخلصين له الدين } أي دعوه لينجيهم من العذاب { فلما نجاهم إلى البر } أي أجاب دعوتهم ونجاهم من تلك المخاطر { فمنهم مقتصد } مؤمن، وقيل: على طريقة مستقيمة وصلاح في الآخرة { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } ، قيل: ختار كفور غدار جحود.
[31.33-34]
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم } أي اتقوا عذابه { واخشوا يوما } أي يوم القيامة { لا يجزي والد عن ولده } أي لا يكفي عنه { ولا مولود هو جاز عن والده شيئا } يعني لا يغني أحد عن أحد { إن وعد الله حق } في القيامة والجزاء لا يخلف فيه { فلا تغرنكم الحياة الدنيا } أي لا تغتروا بكثرة السلام وكثرة النعم فإنها تزول عن قرب فلا تغرنكم { ولا يغرنكم بالله الغرور } ، قيل: الشيطان، وقيل: الغرور ما يدعو لمعصية مثل الرؤساء والملوك وعلماء السوء { إن الله عنده علم الساعة } روي أن رجلا من محارث وهو الحارث بن عمرو بن حارثة أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أخبرني عن الساعة متى قيامها؟ وقد أبطت عنا السماء فمتى تمطر؟ وأخبرني عن امرأتي فقد استملت ما في بطنها ذكر أم أنثى؟ وإني قد علمت ما عملت أمس فما أعمل غدا؟ وهذا مولدي فقد عرفته فأين أموت؟ فنزلت، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ):
" مفاتح الغيب خمس... "
وتلا هذه، وعن ابن عباس: من ادعى علم هذه الخمس فكذبوه إياكم والكهانة فإن الكهانة تدعو إلى الشرك، والشرك وأهله في النار، وعن المنصور أنه أهمه معرفة مدة عمره، فرأى في منامه أن خيالا كأنه أخرج يده من البحر وأشار إليه بالأصابع الخمس، فاستفتى العلماء في ذلك فأولوها بخمس سنين وبخمسة أشهر وغير ذلك، حتى قال أبو حنيفة: ان مفاتح الغيب خمس ويعلمها الله فقط { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام } أذكر أم أنثى؟ أتام أم ناقص؟ { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } برة أم فاجرة ما تكسب من خير وشر { وما تدري نفس بأي أرض تموت } أي تموت وقد تكون في مكان لم يخطر ببالها، وروي أن مالك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فقال الرجل: من هذا؟ قال: مالك الموت، قال: كأنه يريدني، وسأل سليمان أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل، فقال مالك الموت لسليمان (عليه السلام): كان دوام نظري اليه تعجبا منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك.
Unknown page