172

Tafsir

تفسير الأعقم

Genres

" حين يذبح الكبش والفريقان ينظرون "

{ وهم في غفلة } يعني في الدنيا عن ذلك { وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } يعني نميتهم فلا يبقى ملك ولا متصرف ويبقى الله تعالى فيرث الأرض ومن عليها، والمراد بالإرث زوال ملك أهلها { وإلينا يرجعون } يعني يبعثون يوم القيامة فيرجعون إلى حكمه وجزائه على أعمالهم، ثم ذكر قصة إبراهيم فقال سبحانه: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } في القرآن { إبراهيم إنه كان صديقا نبيا } كثير الصدق في أمور الدين، وكثرة ما صدق به من عيوب الله وآياته وكتبه ورسله { إذ قال لأبيه } آزر وكان كافرا: { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } ، قيل: لا ينفعك ولا يضرك ولا يغني عنك شيئا، قيل: أراد الأصنام، وقيل: أراد كل معبود عبدوه قومه من الشمس والقمر والنجوم { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك } يعني من علوم الدين وأمر القيامة وأحوالها ومن وعد الله ووعيده ما لم تعلم { فاتبعني أهدك صراطا سويا } أي طريقا مستويا وهو طريق الحق، وقيل: طريق الجنة { يا أبت لا تعبد الشيطان } ، قيل: لا تطيعه فيما يدعوك فتكون بمنزلة من عبده لأن من أطاع شيئا فقد عبده، ويحتمل أن المراد بالشيطان رؤساءهم والأول الوجه ولا شبهة أنهم لم يعبدوا الشيطان ولم يصلوا له ولكن أطاعوه { يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا } قرينا في النار، وقيل: لا حق للشيطان في اللعن، ثم بين تعالى حديث إبراهيم (عليه السلام) في دعوته إلى دينه فقال سبحانه: { قال } يعني أبو إبراهيم وهو آذر مجيبا له حين دعاه إلى الإيمان { أراغب أنت عن آلهتي } أتزهد في عبادة آلهتي التي هي الأصنام، وقيل: تأنف عن عبادة آلهتي { لئن لم تنته لأرجمنك } ، قيل: بالحجارة، وقيل: أظهر أمرك للناس فيرجموك ويقتلوك { واهجرني مليا } ، قيل: دهرا طويلا، فلما سمع ابراهيم من أبيه هذا الجواب الموحش { قال سلام عليك } ، قيل: توديع على اللطف وهو سلام متاركة ومباعدة، وقيل: أما أن لك مني ما أردت من اعتزالي فإني أفعله، وقيل: أراد سلامة الدنيا، قال في الحاكم: وهذا يجوز أن يدعا به للكافر { سأستغفر لك ربي } ، قيل: كان وعده أن يؤمن فاستغفر له بشرط أن يصدق وعده { إنه كان بي حفيا } لطيفا رحيما ثم بين أنه يختار الدين على مساعدة الأب والهجرة عن الوطن فقال: { وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } ، قيل: تدعونه إلها وهي الأوثان، وقيل: تدعون تعبدون { وأدعوا ربي } أي أعبده وأدعوه إلها { عسى } على وجه الخضوع { ألا أكون بدعاء ربي } ، قيل: هو ها هنا واجب ومعناه { ألا أكون بدعاء ربي شقيا } كما شقيتم بدعاء الأصنام { فلما اعتزلهم } أي فارقهم قيل: فارقهم إلى الأرض المقدسة { وما يعبدون من دون الله } يعني يدعونه إلها وهي الأوثان { وهبنا له إسحاق ويعقوب } إبنا وابن ابن { وكلا جعلنا نبيا } يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب (صلوات الله عليهم أجمعين)، قوله تعالى: { ووهبنا لهم من رحمتنا } ، قيل: المال والولد، وقيل: النبوة والكتاب، وقيل: الرحمة والنعمة فوهبهم نعمة الدنيا والدين { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } رفيعا قيل: بناء حسنا ولسان العرب لغتهم وكلامهم استجاب الله دعوته { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } ثم ذكر حديث موسى واسماعيل فقال سبحانه: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } في القرآن { موسى إنه كان مخلصا } ، قيل: أخلص العبادة لله، وقيل: كان موحدا مسلما، وبفتح اللام كان مختارا للرسالة { وكان رسولا نبيا } الرسول الذي معه الكتاب من الأنبياء والنبي الذي ينبئ عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع { وناديناه } أي دعوناه { من جانب الطور الأيمن } أي من ناحية اليمنى أو من الأيمن صفة للطور والجانب، وعن أبي العالية حتى سمع صريف القلم الذي كتب به التوراة { ووهبنا له من رحمتنا } من أجل رحمتنا وتراوفنا عليه وهبنا له { هارون } وكان هارون أكبر من موسى فوقعت الهيبة على معاضدته وموازرته عن ابن عباس.

[19.54-63]

{ واذكر في الكتاب إسماعيل } هو أكبر ولد إبراهيم، ذكر إسماعيل (عليه السلام) بصدق الوعد وإن كان موجودا في سائر الأنبياء تشريفا له، وعن ابن عباس أنه وعد صاحبا أنه ينتظره في مكان فانتظره سنة { وكان يأمر أهله بالصلاة } ، قيل: كان يأمر أمته بالصلاة والزكاة، وقيل: يأمر أهله بصلاة الليل وصدقة النهار، وقيل: الزكاة ما يزكيهم ويقربهم إلى الله { وكان رسولا نبيا } ، قيل: جمع بينهما تأكيدا { وكان عند ربه مرضيا } ، قيل: صالحا زكيا (رضي الله عنه) فحصل له عنده المنزلة العظيمة، وقيل: رضي عمله { واذكر في الكتاب } القرآن { ادريس } هو جد أب أب نوح، وقيل: اسمه اخنوخ وليس نبي لأنه تعالى سماه إدريس { إنه كان صديقا نبيا } كثير الصدق، وقيل: أنزل إليه عليه ثلاثين صحيفة وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود { ورفعناه مكانا عليا } ، قيل: إلى الجنة ولا بناء أعلى من الجنة، وقيل: إلى السماء السادسة، وقيل: إلى السماء الرابعة، وروي أنه حي لم يمت، وروي أن الله رفعه إلى السماء ثم قبض روحه، وقيل: العلا شرف النبوة والزلفى عند الله، ولما فصل ذكر النبيين وذكر كل أحد بخصلة جمعهم في المدح فقال سبحانه: { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } بالنبوة، وقيل: سائر الثواب { من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح } وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ولد سام بن نوح، وإسماعيل من ذرية إبراهيم، وموسى وهارون وزكريا ويحيى من ذرية إسرائيل، وكذلك عيسى ابن مريم ذريته { وممن هدينا } من الأمم { واجتبينا } أي اخترناهم للرسالة { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } قال جار الله: يعني وقعوا في السجود لله تعالى باكين، والبكاء جمع باك كالسجود والقعود جمع ساجد وقاعد، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

" اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا "

وعن صالح المري: قرأت القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام فقال لي: " يا صالح هذه القراءة فأين البكاء؟ " وعن ابن عباس: إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

" أن القرآن نزل محزن فإذا قرأتموه فتحازنوا "

وقالوا: ندعو في سجدة التلاوة بما يليق بآياتها فإن قرأ آية تنزيل السجدة، قال: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك، المسبحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين، وإذا قرأ سجدة سبحان قال: اللهم اجعلني من الباكين إليك، الخاشعين لك، وإن قرأ هذه قال: اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم، المهتدين الساجدين لك، الباكين عند تلاوة آياتك { فخلف من بعدهم خلف } يعني قوم بعد النبيين المذكورين، قيل: هم اليهود ومن معهم تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمر واستحلوا نكاح الأخت من الأب، وقيل: هم في هذه الأمة والله أعلم { فسوف يلقون غيا } عذابا أو غيا عن طريق الجنة، وقيل: غيا واد في جهنم تستعيذ منها أوديتها { إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا } أي لا ينقصون حقهم، { جنات عدن } جنات إقامة، لا تزول الجنة ولا سكانها { التي وعد الرحمن عباده } المؤمنين { بالغيب } يعني غائب عنهم لم يروها { إنه كان وعده مأتيا } { لا يسمعون فيها لغوا } مثل الخنا والفحش والأباطيل ، وقيل: يمينا كاذبة، وقيل: مآثما { إلا سلاما } وهو تسليم الله عليهم، وقيل: أراد تسليم الملائكة { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } يعني مقدار طرفي النهار، وقيل: أراد إدرار الرزق عليهم في أي وقت شاؤوا { تلك الجنة } ما وصفت { التي نورث من عبادنا } وقرئ نورث استعارة أي نبقي الرزق عليه الجنة كما نبقي على الوارث مال الموروث، وقيل: لكل مكلف موضع في الجنة فإذا عصى دفع إلى غيره فلذلك سماه إرثا.

[19.64-72]

{ وما نتنزل إلا بأمر ربك } حكاية قول جبريل (صلوات الله عليه) حين استبطأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وروي أنه احتبس الوحي أربعين يوما، وقيل: خمسة عشر وذلك حين سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلما نزل جبريل قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أبطأت عني " فنزلت { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا } الدنيا { وما خلفنا } الآخرة { وما بين ذلك } ما بين النفختين وهو أربعون سنة، وقيل: ما بين أيدينا أمور الآخرة، وما خلفنا أمور الدنيا، وما بين ذلك بين النفختين، وقيل: الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا، والسماء التي وراءنا، وما بين السماء والأرض، والمعنى أنه المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة { وما كان ربك نسيا } يعني لا يجوز عليه النسيان، وقيل: المعنى ما كان ربك نسيا وما كان تاركا لك، كقوله:

Unknown page