رواه في الثعلبي { فلنسألن الذين أرسل إليهم } يعني الأمم عن إجابتهم الرسل { ولنسألن المرسلين } الأنبياء عن تبليغهم الأمم قيل: نسأل الأمم ما أجبتم المرسلين؟ وما فعلتم في إجابة الرسل؟ وقيل: نسأل الأمم عن الإجابة والرسل عن التبليغ، وقيل: سؤال الأمم سؤال توبيخ وسؤال الرسل سؤال شهادة على الخلق { فلنقصن عليهم } على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم { وما كنا غائبين } عنهم وما وجد منهم.
[7.8-18]
{ والوزن يومئذ الحق } يعني وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها، واختلف في كيفية الوزن، فقيل: توزن صحائف الأعمال بميزان له لسان وكفتان ينظر إليه الخلائق، تأكيدا للحجة واظهارا للنصفة وقطعا للمعذرة { فمن ثقلت موازينه } قال مجاهد: حسناته { ولقد مكناكم في الأرض } مكانا وقرارا وملكناكم فيها واقدرناكم على التصرف فيها { وجعلنا لكم فيها معايش } جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب { قليلا ما تشكرون } على نعمه { ولقد خلقناكم } يعني خلقنا اباكم آدم { ثم صورناكم } أي صورنا اباكم { ثم قلنا } الآية، وقيل: خلقنا أباكم آدم ثم صورناكم في ظهره { ثم قلنا للملائكة } { اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس لم يكن من الساجدين } لآدم (عليه السلام) فقال الله تعالى لإبليس لعنه الله حين امتنع من السجود لآدم (عليه السلام): { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه } ، قيل: قاله على لسان بعض ملائكته، وقيل: بل قاله الله سبحانه ودل المعجز على أنه كلامه { قال فاهبط } أي انزل وانحدر { منها } ، قيل: من السماء، وقيل: من الجنة، وقيل: من الدرجة الشريفة { قال انظرني } أي امهلني وأخرني ولا تميتني { إلى يوم يبعثون } من قبورهم وهو يوم القيامة { قال إنك من المنظرين } ومتى قيل: هل خاطبه بهذا؟ قيل: يحتمل ذلك، وقيل: أمر ملكا يخاطبه بذلك، قال في الحاكم: ومتى قيل: هل يجوز إجابة دعاء الكافر؟ قلنا: لا لأن ذلك اكرام وتعظيم ولذلك يقال: فلان مستجاب الدعوة، وقد قيل: إن إبليس الملعون سأل الانظار إلى يوم القيامة فمنعه الله تعالى ذلك وأنظره إلى يوم الوقت المعلوم وهو وقت موته، وقيل: النفخة الأولى، قال: { فبما أغويتني } ، قيل: جنبتني من رحمتك، وقيل: يجوز أن يكون هذا مذهب ابليس كما أنه مذهب المحبرة إضافة الاغواء إلى الله تعالى { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } طريقك المستوي { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } يعني من الجهات الأربع التي يأتي منها العدو في الأغلب وهذا مثل للوسوسة وقد قيل: لآتينهم من قبل دنياهم وآخرتهم، ولم يذكر من فوقهم لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم { ولا تجد أكثرهم } أكثر بني آدم { شاكرين } لنعمتك { قال أخرج منها } ، قيل: قاله على لسان بعض الملائكة، قيل: من الجنة، وقيل: من السماء، وقيل: من المنزلة الرفيعة التي كانت له { مذؤوما } ، قيل: مهانا، وقيل: لعينا، وقيل: مطرودا لمن تبعك أي أطاعك واقتدى بك منهم من بني آدم.
[7.19-25]
قوله تعالى: { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } أي آدم وحوى، والجنة قيل: هي جنة في السماء { فكلا من حيث شئتما } من نعيمها { ولا تقربا هذه الشجرة } ، قيل: هي العنب، وقيل: التين، وقيل: البر، وقيل: غير ذلك { فتكونا من الظالمين } لأنفسكما بأكلها وهذا وعيد من الله تعالى { فوسوس لهما الشيطان } يعني لآدم وحوى { ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما } أي ليظهر ما ستر من عوراتهما { وقال } يعين إبليس: { ما نهاكما ربكما } يعني آدم وحوى { إلا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } يعني إن من أكل من هذه الشجرة ففي حكم الله تعالى أن يصير ملكا أو من الخالدين الدائمين الذين لا يموتون { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } اقسم لهما بالنصيحة أي حلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما، قال خالد بن زهير:
وقاسمهما بالله جهدا لأنتم
ألذ من السلوى إذا ما شورها
قال قتادة: حلف لهما بالله حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله وقال: إني خلقت قبلكما وإني أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما { فدلاهما } اي دلاهما من الجنة الى الارض، وقيل: أوقعهما بالمعصية يعني خدعهما { بغرور فلما ذاقا الشجرة } أكلا منها ووصلت إلى بطونهما { بدت لهما } ظهرت { سوءاتهما } أي عوراتهما، قيل: تهافت عنهما اللباس، وقيل: كان لباسهما من نور، وقيل: الأظفار وإنما يخدع المؤمن بالله { وطفقا } أقبلا { يخصفان } أي يرفعان ويلزقان { عليهما من ورق الجنة } ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بهما كما يخصف النعل بأن يجعل طرفه على طرفه من ورق الجنة، قيل: كان من ورق التين، روي أنه كان كالثوب، فإن قيل: كيف وسوس لهما وهما في الجنة؟ قيل: وسوس وهو في الأرض فوصلت الوسوسة إليهما، وقيل: كانا يخرجان إلى السماء فلقاهما هناك، وقيل: خاطبهما من باب الجنة وقد تقدم ذكر هذه القصة والفائدة في إعادتها أن القرآن نزل في بضع وعشرين سنة والعوارض تعرض والوفود تفد فكانت القصة تعاد ليسمع من لا يسمع، قوله: { وناداهما ربهما الم أنهكما عن تلكما الشجرة } عتاب من الله تعالى: { وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } ، فقال: بلى وعزتك ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا، فأهبط وعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث وسقى وذرا وحصد وداس وعجن وخبز، قوله تعالى: { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } بالمعصية { وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } { قال اهبطوا } خطاب لآدم وحوى وإبليس { بعضكم لبعض عدو } يعني آدم وذريته وابليس وحزبه عدو لآدم وذريته { ولكم في الأرض مستقر } يعني موضع استقرار { ومتاع إلى حين } إلى وقت انقضاء آجالكم { قال فيها تحيون وفيها تموتون } يعني في الأرض تعيشون وفيها تموتون { ومنها تخرجون } عند البعث.
[7.26-30]
{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا } الآية نزلت لما كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهاهم الله تعالى عن ذلك، يا بني آدم خطاب عام، قد أنزلنا مع آدم وحوى حين أهبطا، وقيل: معناه أنه ينبت بالمطر الذي ينزل، وقيل: خلقنا لكم، وقيل: ألهمناكم صنعتها واللباس ما يلبس من الثياب وغيرها { يواري سوءاتكم } يعني عوراتكم { وريشا } الريش لباس الريشة، وقيل: هو المال استعير من ريش الطائر لأنه ريشه { ولباس التقوى ذلك خير } ، قيل: العمل الصالح ويدخل فيه جميع أنواع الخير، وقيل: هو الصوف والخشن من الثياب، وقيل: لباس الحرب والدرع وغيرها، وقيل: ستر العورة، وقيل: خشية الله تعالى { يا بني آدم } خطاب لجميع المكلفين وعظة لهم { لا يفتننكم الشيطان } لا يضلنكم عن الدين ولا يصرفنكم عن الحق، قوله تعالى: { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } قبيله: أتباعه، من الجن والإنس، ومتى قيل: لم يرونا ونحن لا نراهم؟ قيل: لأن الله تعالى جعل لأبصارهم قوة شعاع يرى بعضهم بعضا ويروننا وليس لأبصارنا تلك القوة، وعن مالك بن دينار: أن عدوا يراك ولا تراه لشديد الموتة إلا من عصمه الله تعالى { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } ، قيل: حكمنا وبينا أنهم يتناصرون على الباطل { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا } ، إن قيل: من أين أخذها أباؤكم قالوا: الله أمرنا بها، وقيل: أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، ويقولون: نطوف كما ولدنا، وعن الحسن: إن الله تعالى بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى العرب وهم قدرية محبرة يحملون ذنوبهم على الله تعالى وتصديقه، قوله تعالى: { وإذا فعلوا فاحشة } والفاحشة اسم جامع لكل المعاصي والقبائح، وقيل: هو الشرك، وقيل: أن أهل الجاهلية أهل أخبار قالوا: لو كره الله منا ما نحن عليه من الدين لنقلنا عنه، فذلك قوله تعالى: { والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } أي بالقبائح، وكفى به ردا على أهل الخير { أتقولون على الله ما لا تعلمون } { قل } يا محمد { أمر ربي بالقسط } اي بالعدل، وقيل: بالتوحيد { وأقيموا وجوهكم } بالاخلاص لله سبحانه عند الصلاة وفي السجود { وادعوه } واعبدوه { مخلصين له الدين } في الطاعة والعبادة { كما بدأكم } خلقكم أحياء لا من شيء أولا { تعودون } أحياء بعد الموت والفناء، وقيل: تعودون على ما أنتم عليه المؤمن على إيمانه والكافر على كفره { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } ، قيل: المراد بالهدى الدلالة وذلك أن المؤمن نظر فعرف وهؤلاء لم يعرفوا، وقيل: الهدى إلى طريق الثواب والضلال عنه بالعقاب في النار { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء } يعني يوم القيامة بالطاعة فيما أمروهم به.
Unknown page