وسعة عجز عنها التعبير مطلقا { و } بالجملة: ما لكم أيها العباد ومعرفة الذات غير هذا { هو العلي } بذاته تعالى عن أن تدركه عقول العقلاء وتنزه عن أن تصفه ألسنة الفصحاء { العظيم } [البقرة: 255] بآثار أسمائه وصفاته الممتدة على صفحات الإعدام، وهو في ذاته على حرافة وحدته، وهو ولا شيء سواه.
[2.256-257]
{ لا إكراه } أي: لا جبر ولا تهديد ولا إلجاء { في الدين } أي: في الانقياد بدين الإسلام والإطاعة له بعد ما ظهر الحق؛ إذ { قد تبين } وتميز { الرشد } والهداية { من الغي } والضلالة { فمن يكفر بالطاغوت } التي هي النفس الأمارة المضلة عن طريق الحق { ويؤمن بالله } الهادي إلى سواء السبيل { فقد استمسك } بل تمسك وتشبث { بالعروة الوثقى } التي هي حبل الله الممدود من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات { لا انفصام } ولا انقطاع { لها } أصلا { والله } الهادي للكل { سميع } بذاته لأقواله { عليم } [البقرة: 256] بحمه ومصالحه المودعة فيها، فانظروا ما أنتم أيها الهلكى.
{ الله } أي: الذات المستجمع لجميع الأسماء والصفات { ولي الذين آمنوا } بالله يريبهم حسب شموله وإحاطته { يخرجهم من الظلمات } ظلمة الطبيعة وظلمة الإمكان وظلمة الإضافة { إلى النور } صفاء الوحدة الخالصة عن رين الإضافة الخالية عن شين الكثرة { والذين كفروا } بالله { أوليآؤهم الطاغوت } التي هي علم الجنس للنفوس البهيمية التي هي الطواغيت المضلة عن الهدي الحقيقي { يخرجونهم من النور } أي: المرآة الصقلية المجلوة القابلة لأن يتراءى فيها جميع ما في العالم { إلى الظلمات } ظلمة الكثرة وظلمة التعيين وظلمة الغفلة { أولئك } البعداء المطرودين عن ساحة الوحدة { أصحاب النار } أي: نار الخذلان وسعير الإمكان { هم فيها خالدون } [البقرة: 257] دائمون إلى ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله.
[2.258-259]
{ ألم تر إلى } الكافر العابد للطاغوت وهو نمورد اللعين المعاند { الذي حآج } جادل مكابرة مع { إبراهيم } صلوات الرحمن عليه { في } شأن { ربه } حين { أن آتاه الله الملك } وأبطره عليه وغيره بملكه وذلك وقت { إذ قال إبراهيم } إلزاما له حين أخرجه من السجن، فسأكل عن ربه الذي يدعي الدعوة إليه: { ربي الذي يحيي } يوجد من العدم { ويميت } يرد إليه بعد إيجاده { قال } مكابرة ومجادلة: { أنا } أيضا { أحيي وأميت } بالعفو والقصاص { قال إبراهيم } تصريحا لإلزامه من غير التفات إلى كلام: { فإن الله } القادر على ما يشاء { يأتي بالشمس من المشرق فأت } أيها المعاند المكابر { بها من المغرب فبهت الذي كفر } بالله بالمعارضة معه فصار مبهوتا متحيرا { والله } الهادي للكل { لا يهدي القوم الظالمين } [البقرة: 259] المجاوزين عن حقوق الله وآداب العبودية معه.
{ أو كالذي } أي: ألم تر إلى الشخص الذي { مر على قرية } هي البيت المقدس في زمان خربها بختنصر فرآها { وهي خاوية } ساقطة { على عروشها قال } محاجا مجادلا مبعدا للحشر والنشر: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } أي: كيف يقدر على إحياء أهلها وهم قد انقرضوا واندرسوا إلى حيث لم يبق منهم أثر؟ { فأماته الله } فجأة؛ إظهار لقدرته وتبيينا لحجته، وألبثه { مئة عام } ميتا كالأموات الأخر { ثم بعثه } إحياء بعد تلك المدة، ثم سأله هاتف بأن { قال كم لبثت } في هذا المكان { قال لبثت يوما } والتفت إلى الشمس فرآها باقية قال: { أو بعض يوم قال } السائل: ما تعرف مدة لبثك { بل لبثت مئة عام فانظر } أيها المبعد للحشر الجسماني بنظر العبرة إلى كمال قدرة الله { إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } لم يتغير مع سرعة تغييره { وانظر إلى حمارك } كيف تفرقت عظامه وتفتت أجزاؤه مع بطء تغيره وبعد ما نظرت إليهما تذكر قولك حين مرورك على القرية: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فألزم.
ثم قيل له من قبل الحق: { و } إنما فعلنا ذلك معك أيها المبعد للحشر الجسماني { لنجعلك آية } ودليلا وحجة { للناس } القائلين بالحشر الجسماني على المنكرين المبعدين لها { و } بدما تحققت حالك { انظر } بنظرة العبرة { إلى العظام } الرفات التي تعجبت من كيفية إحيائها وأنكرت عليها { كيف ننشزها } نركب بعضها مع بعض { ثم نكسوها لحما } بعد تتميم تركيب العظام { فلما تبين له } أمر الحشر ألزم وسلم و { قال أعلم } يقينا { أن الله } القادر { على } إحياء { كل شيء } مبدئا مبدعا { قدير } [البقرة: 259] على إحيائه معيدا.
[2.260-261]
{ و } اذكر يا أكمل الرسل وقت { إذ قال } أبوك { إبراهيم } صلوات الرحمن عليه حين أراد أن يندرج ويرتقي من العلم إلى العين { رب أرني كيف تحيي الموتى } قال له ربه تنشيطا له على الترقي: { قال أولم تؤمن } تذعن وتوقن بأني قادر على الإعادة كما أني قادر على الإيجاد الإبداعي { قال بلى } آمنت يا ربي بأنك على كل شيء قدير { ولكن } سألتك المعاينة { ليطمئن قلبي } بها ويزيد بصيرتي بسببها، ويزداد حيرتي منها { قال } سبحانه: { فخذ أربعة من الطير } طاووس مزخرفات الدنيا الدنية، وديك شهواتها وغراب الآمال الطويلة فيها، وحمام الأهواء الباطلة المتعلقة بها، وبعدما أخذتهها { فصرهن إليك } أي: أمسكهن، اضممهن إلى نفسك بحيث تجد جميع أجزائك في نفسك على التفصيل بلا فوت جزء، ثم جزئهن أجزاء هوائية هبائية.
Unknown page