Tafsīr al-Jīlānī
تفسير الجيلاني
Genres
ثم أشار سبحانه إلى توبيخ المنافقين وتقريعهم حيث قال: { قد يعلم الله } المطلع على سرائر عباده بمقتضى علمه الحضوري كيد المنافقين { الذين يتسللون منكم } أي: يخرجون قليلا قليلا من جمعكم أيها المؤمنون { لواذا } أي: حال كونهم ملاوذين ملتجئين بغيرهم بأن يستر بعضهم خلف بعض، وحتى يخرج بلا إذن ورخصة منه صلى الله عليه وسلم { فليحذر } أولئك الماكرون المخادعون { الذين يخالفون } وينصرفون { عن أمره } سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بلا رخصة { أن تصيبهم } في الدنيا { فتنة } أي: مصيبة ومحنة عظيمة مثل القتل والنهب الأسر وأنواع البليات { أو يصيبهم } في الآخرة { عذاب أليم } [النور: 63] لا عذاب أشد منه.
وكيف تعرضون، وتنصرفون عن أمر الله وأمر رسوله أيها المسرفون المفرطون، أما تستحيون من الله الرقيب عليكم، { ألا } أي: تنبهوا أيها الجاهلون الغافلون بقدر الله، وحق ألهويته واستقلاله وبسطته { إن لله } المظهر الموجد تصرفا وملكا مظاهر { ما في السموت والأرض } أي: العلويات والسلفيات، وما بينهما { قد يعلم } سبحانه بعلمه الحضوري { مآ أنتم عليه } في نشأتكم هذه.
{ و } يعلم أيضا ما ستكونون عليه { يوم يرجعون إليه } في النشأة الأخرى المعدة للعرض والجزاء؛ إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء مما جرى في عالم الغيب الشهادة والنشأة الأولى والأخرى { فينبئهم } ويخبرهم حينئذ { بما عملوا } في النشأة الأولى على التفصيل بلا شذوذ شيء منها، ثم يجازيهم عليها { والله } المجازي لعمود عباده في يوم الجزاء { بكل شيء } صدر عنهم في أولاهم وأخراهم { عليم } [النور: 64] محيط بجميع أعمالهم وأفعالهم وشئونهم وحالاتهم، وجميع ما جرى عليهم، يجازيهم على مقتضى علمه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
اصنع بنا يا مولانا ما أنت أهله يا ذا الفضل العظيم والجود العميم.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المستضيء، المقتبس من المشكاة الجامعة المصطفوية والمصباح اللامع النبوي. أرشدك الله إلى غاية ما أملك، ووفقك إلى كمال ما جبلك الحق لأجله. أن تحسن الأدب مع نبيك الهادي إلى طريق التوحيد الذاتي، وتحافظ على ملازمة ما أوجبك الحق من حقوقه وآدابه صلى الله عليه وسلم.
فلك أن تجعل رتبته صلى الله عليه وسلم نصب عينيك، ولا تترك شيئا من سنته المأثورة، وأخلاقه المشهورة، وشيمه المعروفة بين أهل الحق وأرباب المحبة من المنكشفين بعلو مرتبته صلى الله عليه وسلم ورفعة قدره ومكانته، ولا تهمل شيئا من الحدود والأحكام الموضوعة في دينه وشريعته، ولك أن تختار لنفسك من عزائم شرعه ودينه مهما أمكنك، ولا تميل إلى رخصتها؛ إذ الرخصة لعوام أهل الإيمان والعزائم لخواصهم، فلك الإخلاص في العمل، وعليك الاجتناب عن الرياء والسمعة وجميع الرعونات الواقعة في صدور الأعمال، سواء كان عملك قليلا أو كثيرا عزائم أو رخصا.
وإياك إياك الحذر عن مداخل الرياء والتلبيس، فإنها من شباك إبليس، يضل بها ضعفاء الأنام عن نهج الرشاد وسبيل الاستقامة والسداد.
عصمنا الله من تغيرات الشياطين، وتسويلاتهم بفضله وجوده.
[25 - سورة الفرقان]
Unknown page