369

{ فهل نجعل لك خرجا } جعلا نوزع بيننا فيبلغ مبلغا وافيا { على أن تجعل } بسطوتك وسلطتك { بيننا وبينهم سدا } [الكهف: 94] منيعا لا يمكنهم الخروج علينا فنأمن شرهم بجاهك.

{ قال ما مكني فيه ربي خير } أي: ما جعلني وخصني ربي بفضله وجوده مكينا من المال والملك خير مما تجمعوت بتوزيعكم وتخريجكم، ولا حاجة إلى أموالكم بل إلى إعانتكم وسعيكم أجراء { فأعينوني } في وضع هذا السد { بقوة } أي: عملة وصناع يأخذون مني أجرتهم ويعلمون { أجعل } بفضل الله وسعة جوده إن تعلق به مشيئته { بينكم وبينهم ردما } [الكهف: 95] حاجزا حصينا منعيا وثيقا؛ بحيث لا يقبل التخريب إلى انقراض الدنيا.

{ آتوني } وأحضروا عندي أولا { زبر الحديد } أي: قطعها الكبيرة، فأتوا بها فأمرهم بحفر الأرض إلى أن وصل الماء، فوضع الأساس من الصخر النحاس المذاب حتى وصل وجه الأرض، ثم أمرهم بتنضيد قطع الحديد بأن وضعوا بين كلا قطعتي الحديد فحما وحطبا، وأمرهم بارتفاعهم هكذا { حتى إذا ساوى بين الصدفين } أي: بين جانبي الجبلين حتى امتلأ بين الجبلين، وصار ما بينهما مساويا للطرفين في الرفعة، ثم أمرهم بوضع المنافع العظام من كلا طرفي السد.

ثم { قال } لهم: { انفخوا } فنفخوا { حتى إذا جعله نارا } أي: جعل المنفوخ فيه مثل النار في اللون الحرارة، فاحترق الحطب والفحم، واتصل بالزبر المحماة وبقيت فرج صغار إلى حيث لم تصل إلى الملاسة والاستواء { قال آتوني } نحاسا مذابا { أفرغ } وأصب { عليه قطرا } [الكهف: 96] حتى يصير ملساء مسوى لا فرج لها، ولا يرى أوصالها أصلا فصب فاستوى فصار أملس كأنه لا فرج فيه أصلا.

{ فما اسطاعوا } أي: ما قدر يأجوج ومأجوج { أن يظهروه } ويصعدوا عليه ويعلوا لارتفاعه وملاسته { وما استطاعوا له نقبا } [الكهف: 97] لعمقه وغلظة كننه.

[18.98-110]

فلما تم السد واستوى { قال } ذو القرنين مسترجعا إلى الله شاكرا لأنعمه: { هذا } أي: إتمام هذه السد على الوجه الأسد الأحكام { رحمة } نازلة علي { من ربي } إذ لولا توفيقه وتمكينه لما صدر عني بقوتي أمثال هذا { فإذا جآء وعد ربي } وقرب قيام الساعة، وظهر أماراتها وأشراطها.

ومن جملة أماراتها: خروج يأجوج ومأجوج { جعله } سبحانه هذا السد السديد الرفيع { دكآء } أي: مدكوكا مسوى مفتتا أجزاؤه؛ بحيث لم يبق له ارتفاع أصلا، وهم حينئذ يخرجون على الناس { وكان وعد ربي } بقيام الساعة واستواء الأ { ض، وكونها دكا بحيث لا عوج لها ولا أمتا { حقا } [الكهف: 98] ثابتا محققا لا شبهة فيهز

ثم قال سبحانه: { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } اي: وبعدما جعلنا الأرض مبسوطة مدكوكة بمقتضى قهرنا وجلالنا، وجعلنا السد السديد الرفعيت المنيع مسوى، أخرجنا يأجوج ومأجوج بإقدارنا إياهم بالخروج، وتركنا بعض الناس يموج ويزدحم ويدخل من صولتهم واستيلائهم بعضا مضطربين ومضطرين، { و } هم في ذلك الاضراب والتشتت من استيلا أولئك الظلمة القهارين القتالين { ونفخ في الصور } للحشر إلى المحشر وقامت الطامة الكبرى { فجمعناهم } حينئذ؛ أي: جميع الخلائق للعرض والحساب { جمعا } [الكهف: 99] مجتمعين في المحشر.

{ و } بعد جمعنا إياهم { عرضنا جهنم يومئذ } أي: يوم الحشر { للكافرين } المعرضين المكذبين للرسل والكتب، المنكرين ليوم العرض والجزاء { عرضا } [الكهف: 100] على سبيل الإلزام والتبكيت للقوم { الذين كانت أعينهم } في النشأة الأولى { في غطآء } وغشاوة كثيفة { عن ذكري } أي: عن آياتي الدالة على ذكري المؤدي إلى التفكر والتدبر في آلائي ونعمائي، المؤدي إلى ملاحظة ذاتي المنتهية إلى المكاشفة والمشاهدة للمؤنين المؤيدين من عندي، المنجذبين نحو توحيدي { وكانوا } أيضا { لا يستطيعون } ولا يقدرون { سمعا } [الكهف: 101] أي: إصغاء والتفاتا؛ اي: استماع كلمة الحق لتعطيلهم من خبث فطرتهم وطينتهم نعمة الحق الموهوبة لهم لاستماع كلمة الحق وإصفاء دلائل التوحيد عن مقتضاها.

Unknown page