{ فلما جاوزا } من الصخرة يوما وليلية عييا وجاعا { قال } موسى { لفته آتنا غدآءنا لقد لقينا من سفرنا هذا } أي: الذي سرنا بعدما جاوزا الصخرة { نصبا } [الكهف: 62] تعبا وألما ما كنا قبل كذلك.
{ قال } يوشع متذكرا متعجبا: { أرأيت } يا سيدي وقت { إذ أوينآ إلى الصخرة } ورقدت عندها تستريح، وأنا أهم إلى التوضؤ وأمكن عليها لأتوضأ، فانتضح الماء إلى المكتل، فوثب الحوت نحو البحر، فاتخذ سبيله سربا { فإني } بعد تيقظك من منامك { نسيت الحوت } وقصته مع غرابتها وندرتها وكونها خارقة للعادة { ومآ أنسانيه إلا الشيطن أن أذكره } أي: أذكر عنده قصته العجيبة البديعة { و } كيف { اتخذ سبيله } حين رمى نفسه { في البحر عجبا } [الكهف: 63] أي: على وجه يتعجب من جريه الرائي.
ولما سمع مومسى من يوشع ما سمع من فقد الحوت على هذا الوجه سر وفرح { قال } على وجه الفرح والسرور: { ذلك } الأمر الذي وقع { ما كنا نبغ } ونطلب من سرفنا هذا؛ إذ هو علامة وجدان المطلوب وأمارة حصول الإرب { فارتدا على آثارهما } على الفوز، فأخذا يقصان { قصصا } [الكهف: 64] لإزالة شدة السفر إلى أن وصلا الصخرة المعهودة { فوجدا } عندها { عبدا } كاملا في العبودية والعرفان؛ لأنه { من } خلص { عبادنآ } وخيارهم، لأنا من وفور جودنا وإنعامنا عليه { آتيناه } أعطيناه { رحمة } كشفا وشهودا تاما موهوبا له { من عندنا } تفضلا بلا عمل له في مقابلتها يقتضي ذلك { و } مع ذلك { علمناه من لدنا } بلا وسائل الكسب والتعلم والطب والاستفادة، بل بمجرد توفيقنا وفضلنا إياه امتنانا له وإحسانا عليه { علما } [الكهف: 65] متعلقا بالغيوب،؛ حيث أخبر بما وقع ويقع وسيقع.
فلما وصلا إليه وتشرفا بشرف صحبته { قال له موسى } على سبيل الاستفادة والاسترشاد وحسن الأدب { هل أتبعك } أيها المؤيد الكامل المتحقق بمراتب اليقين بتمامها الواصل إلى بحر الوحدة الخائض في لججها { على أن تعلمن } وتفيدني { مما علمت } من سرائر المغيبات سوابقها ولواحقها { رشدا } [الكهف: 66] بالتوراة؛ أي: أرشدتني مقدار استعدادي وقدر قابليتي.
قال: يا موسى كفى بالتوراة علما، وببني إسرائيل شغلا.
قال موسى في جوابه: إن الله أمرني بالاستفادة والاسترشاد منك فلا تمنعني؟.
وبعدما ألح موسى { قال إنك } يا موسى بكمالك في العلوم الظاهرية المتعقلة بوضوح القواعد الدينية، ونصب المعالم الشرعية، وانتصاف الظالم من المظلوم، وانتقامه لأجله إلى غير ذلك من الأمورم السياسية { لن تستطيع } وتقدر { معي صبرا } [الكهف: 67] بل لا بد لك متى اطلعت على ما يخالف الشريعة والوضع المخصوص الذي جئت به من عند ربك، ونزلت التوراة على مقتضاه، فعليك أن تمنعه أو تعترض عليه على مقتضى نبوتك ورسالتك على سبيل الوجوب، والذي أنا عليه من العلوم المتعلقة بالسرائر والغيوب قد يخالف أصلك وقواعدك فلن تستطيع حينئذ معي صبرا.
ثم اعتذر وقال: { وكيف تصبر } يا موسى { على ما لم تحط به خبرا } [الكهف: 68] أي: علما وخبرة واطلاعا على سره ومآله { قال } موسى ملحا عليه: { ستجدني إن شآء الله } وتعلق إرادته بصبري { صابرا ولا أعصي لك أمرا } [الكهف: 69] أي: ما أخالفك فيما تفعل وما تريد على جميع ما جئت به من المغيبات الخارقة للعادات التي لم أفز بسرائرها، وهي مخالفة لظواهر الشرائع والأحكام.
وبعدما اضطره موسى إلى القبول { قال } له الخضر على سبيل التوصية والتوطئة: { فإن اتبعتني } بعدما بالغت { فلا تسألني } أي: فعليك ألا تفاتحني بالسؤال { عن شيء } انكرته مني، ووجدته مخالفا لظاهر الشرع { حتى أحدث } وأبين { لك منه ذكرا } [الكهف: 70] بيانا واضحا كاشفا عن إشكالك ودغدغتك بلا سبق سؤال منك.
ثم لما تعاهدوا على هذا { فانطلقا } يمشيان على ساحل البحر لطلب السفينة، فمروا على سفينة فاستحملا من أهلها، فحملوهما بلا نوال، فقربوهما إلى الساحل { حتى إذا ركبا في السفينة } على شاطئ البحر فجرت، فلما بلغت اللجة { خرقها } أي: أخذ الخضر فأسا فقلع منها لوحا أو لوحين، فلما رأى مسى منه ما رأى أخذ يسد الخرق بثيابه { قال } له مسى حينئذ على سبيل نهي المنكر: { أخرقتها لتغرق } بخرقها { أهلها } إذ من خرقها يدخل الماء فيها، فيغرقها ويغرق أهلها، والله { لقد جئت } بفعلك هذا { شيئا إمرا } [الكهف: 71] أي: منكرا عظيما هو قصد إهلاكك جماعة بلا موجب شرعي.
Unknown page