338

{ و } أن تسحنوا { بالوالدين } اللذين هما السبب الظاهري لتربيتكم وظهوركم { إحسانا } سلسا طلقا فرحانا، بلا شوب المنة والأذى، سيما { إما يبلغن } أي: أن يبلغن { عندك } أيها الولد { الكبر } أي: سن الكهولة، بحيث عجز عن خدمة نفسه { أحدهما } أي: أحد الوالدين { أو كلاهما } معا { فلا تقل لهمآ } في جميع الأحوال، سيما عند الكبر والكهولة: { أف } أي: صوتا شديدا دالا على تضجرهما وردعهما { و } إن خرجا عن مقتضى العقل، وفعلا فعلا يجب لك صرفهما عنه { لا تنهرهما } ولا تقهرهما زجرا عليهام { وقل لهما قولا كريما } [الإسراء: 23].

{ و } بالجملة: { اخفض } وابسط { لهما جناح الذل } والتواضع والمسكنة { من } كمال { الرحمة } والشفقة عليهما { و } لا يقتصر على الخفض والشفقة الدنيوية، بل { قل } لهما ولأجلهما مناجيا مع الله: { رب ارحمهما } على مقتضى رحمتك الواسعة، وجودك الشامل { كما ربياني صغيرا } [الإسراء: 14] أي: ارحمهما بفضلك، مثل رحمتهما وتربيتهما إياي في حال صغري وطفولتي.

فعليكم أن تكونوا في دعائهما على العزيمة الصحيحة، والمحبة الخالصة، بحيث يكون بواطنكم موافقة لظواهركم، مثل تربيتهما إياكم حالة صغركم، ولا تتمنوا موتهما في قلوبكم؛ إذ { ربكم } المطلع على سرائركم { أعلم بما في نفوسكم } من ابتغائكم موتهما، أو برهما وتكريمهما، فالله سبحانه يعفو عنكم، ويقبل توبتكم { إن تكونوا صالحين } مصلحين ما فوتم وأفسدتم على نفوسكم من حق تعظيمهما وتوقيرهما { فإنه } سبحانه من كمال جوده وفضله { كان للأوابين } الرجاعين إليه سبحانه، النادمين بما صدر عنهم من المعاصي، سيما ما يتلعق بعقوق الوالدين { غفورا } [الإسراء: 25] يغفرهم ويتجاوز عنهم.

{ و } لا تقتصر أيها الولد على تعظيم والديك فقط، بل عليك تعظيم كل من ينتمي إليك من قبلهما؛ لذلك { آت } وأعط { ذا القربى حقه } أي: حق تواضعهم وتوقيرهم إن كانوا إغنياء، وأنفق عليهم إن كانوا فقراء { و } آت من زكاة أموالك، وفواضل صدقاتكم { المسكين } الذي لا يقدر على قوته وقوت عياله { وابن السبيل } أيضا الذي يبعد عن بلده، ولس معه مؤنة معاشه، وكن في إنفاقك مقتصدا معتلا { ولا تبذر تبذيرا } [الإسراء: 26] أي: لا تسرف إسرافا مفرطا خارجا عن حد الاعتدال، سيما فيما لا يعني وينبغي؛ إذ التبذير والتقتير كلاهما مذموم عقلا وشرعا.

لذلك قال سبحانه: { إن المبذرين } المسرفين أموالهم رياء وسمعة { كانوا إخوان الشياطين } أي: أشباههم وأتباعهم في صرف الأموال الموهوبة من الله إلى غير المصرف و غير المستحق من المصارف، بل صرفوها إلى المحظورات والمكروهات، بإغواء الشياطين وإغرائهم { وكان الشيطان } الغوي الطاغي { لربه كفورا } [الإسراء: 27] لنعم الله، فيغري أتباعه إلى الكفران أيضا.

[17.28-38]

ثم قال سبحانه: { وإما تعرضن عنهم } أي: إن تحقق إعراضك ومنعك عن هؤلاء المستحقين المذكورين، سيما بعدما سألوا عنك العطاء { ابتغآء رحمة } أي: طلب رحمة وشفقة مرجوة { من ربك } حال كونك { ترجوها } أي: الرحمة لهم؛ لعلمك بأنهم صرفوها إلى القبائح والمعصية، فعليك أن تمنعهم وتردهم هينا لينا، بلا تشدد وغلظة { فقل لهم } حين دفعهم: { قولا ميسورا } [الإسراء: 28] سهلا إلى حيث لا ييأسوا ولا يحزنوا، مثل أن تقول: سل الله علينا وعليكم، ويسر لنا ولكم من فضله وجوده.

وبعدما نهى سبحانه عن التبذير صريحا، والإعراض عن صرف النعمة إلى المعصية، نهى عن مطلق البخل والتبذير المذمومين تأكيدا ومبالغة، فقال: { ولا تجعل يدك مغلولة } معقودة { إلى عنقك } بحيث لا يسع لك إعطاء شيء مما رزق الله لك على مستحقه شحا وبخلا؛ إذ هو إفراط وتقتر { و } أيضا { لا تبسطها كل البسط } بحيث لا قرار لك عندها أصلا، فهذا تفريط وتبذير، وكلاهما مذمومان شرعا وعقلا، فعليك بالاقتصاد الذي هو عبارة عن الكرم والجود، وهو صراط الله الأعدل الأقوم { فتقعد } بعد اتصافك بالبخل والتقتير { ملوما } عند الله، وعند الملائكة والناس أجمعين، واتصفت بالتبذير والإسراف، تقعد { محسورا } [الإسراء: 29] نادما متحسرا، قلقا حائزا في نظم معاشك.

{ إن ربك يبسط الرزق } الصوري والمعنوي، ويوسعه { لمن يشآء } من عباده على مقتضى علمه بحالهم، وسعة استعدادهم، وقابلية حوصلتهم { ويقدر } أي: يقبض ويضيق لمن يشاء منهم على مقتضى علمه يضيق صدرهم، وقلة تمكنهم ووقارهم؛ إذ الله الحكيم المتقن في أفعاله لا يتجاوز عن مقتضى حكمته { إنه كان بعباده } عليما { خبيرا } عن بواطنهم وصمائرهم، وما يؤول إليهم أمورهم { بصيرا } [الإسراء: 30] بظواهر أحوالهم، وتقلباتهم في شئونهم وتطوراتههم.

{ ولا تقتلوا } أيها البالغون لرتبة التكليف الإلهي { أولادكم } الحاصلة من أصلابكم، سواء كانوا بنين أو بنات بلا رخصة شرعية، سيما { خشية إملاق } أي: فقر وفاقة؛ إذ { نحن } من سعة جودنا، ووفور رحمتنا { نرزقهم وإياكم } إذ لا رازق لكم ولهم سوانا { إن قتلهم } إن صدر عنكم { كان خطئا كبيرا } [الإسراء: 31] أي: ذنبا عظيما.

Unknown page