318

{ و } من آياته سبحانه المتعلقة لتدبير أحوالكم: إنه { سخر لكم اليل } لستكنوا فيه وتستريحوا { والنهار } لتعيشوا فيه وتكتسبوا { و } أيضا { الشمس والقمر } لإنضاج ما تتقون، إصلاح ما تتفكهون { و } سخر { النجوم } أيضا؛ لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، حل كون كل منها { مسخرات بأمره } تابعات لحكمه وتقديره على تقدير النصب، أو مع أن الكل مسخرات في قبضة قضائه، يصرفها حسب إرادته ومشيئته على تقدير الرفع { إن في ذلك } أي: التسخير المذكور { لآيات } أي: في كل منها دليل واضح، وبرهان لائح { لقوم يعقلون } [النحل: 12] ويستدلون من الآثار إلى المؤثر، ومن المصنوعات إلى الصانع الحكيم.

{ و } سخر لكم أيضا { ما ذرأ } وخلق { لكم في الأرض مختلفا ألوانه } أشكاله وطبعه على مقتضى أهويتكم وأمزجتكم من الحوائج المتعلقة لحظوظكم وترفهكم { إن في ذلك لآية لقوم يذكرون } [انحل: 13] ويتفطنون منها إلى كرامة الإنسان من بين سائر الأكوان، وإلى خلافته ونيابته عن الله.

{ وهو الذي سخر } لكم { البحر } من كمال لطفه وتكريمه إياكم { لتأكلوا منه لحما طريا } وهو السمك { وتستخرجوا منه حلية } وزينة من الجواهر النفيسة { تلبسونها } وتتزينون بها ترفها وتنعما { وترى } أيها الرائي { الفلك } أي: السفن { مواخر فيه } أي: جواري مشققات للبحر، مسيرات لمن فيها على الماء { و } ما ذلك إلا { لتبتغوا } وتطلبوا { من فضله } وجوده ما يعينكم، ويليق بكم من الحوائج والأرباح وغير ذلك { و } إنما سخر سبحاه ما سخر عليكم من البرح والبحر { لعلكم تشكرون } [النحل: 14] رجاء أن تواظبوا وتداوموا على شكر نعمه، وتصرفوها طلبا لمرضاته.

{ و } من رحمته ولطفه أيضا { ألقى في الأرض } التي هي مستقركم ومشؤكم { رواسي } مخافة { أن تميد } وتتحرك { بكم } ولا يمكن استقراركم علهيا لاضطرابها وتزلزلها؛ إذ هي في طبعها كرة حقيقية، ملقاة على الماء، مغمورة فيه، فلما ألقاها سبحانه عناية منه رواسي ثقالا، صارت متفارقة الأطراف في الثقل، فاستقرت وتثبتت { و } أيضا جرى لكم { أنهارا } عليها؛ كي يمكنكم الاستقساء منها لدى الحاجة { و } عين لكم بين الجبال الراسيات { سبلا } نافذات { لعلكم تهتدون } [النحل: 15] إلى ما تقصدون من البلدان البعيدة.

[16.16-26]

{ و } نصب لكم { علامات } دالة على مقاصدكم في البوادي والبراري بالتلال والوهاد { و } في البحار { بالنجم } أي: بالنجوم المتعارفة عند البحارين؛ إذ { هم يهتدون } [النحل: 16] بها حين وقوعهم في لجج البحار، كل ذلك من الدلائل الدالة على وحدة الفاعل المختار، المتصف بجميع أوصاف الكمال، المنزه عن مشاركة الأضداد والأمثال، مبدع المخلوقات من كتم العدم بلا سبق مادة وزمان، ومخترع الكائنات بلا علل وأعراض على سبيل الفضل والإحسان.

{ أ } تشركون مع الله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لا شيء في الوجود سواه، ولا إله إلا هو، يخلق ما يشاء على مقتضى جوده ورحمته، من لا يخلق شيئا، بل هو من أدون المخلوقات { فمن يخلق } أيها الحمقى { كمن لا يخلق } في الرتبة واستحقاق العبادة، لوم يتفطنوا بالفرق بينهما مع جلائه وظهوره، مع أنكم من زمرة العقلاء { أفلا تذكرون } [النحل: 17] فطرتكم المجبولة على العلم والتمييز؟!.

{ و } كيف تشركون مع الله المنعم المفضل، مع أنكم { إن تعدوا نعمة الله } الفائضة عليكم، وآلاءه الواصلة إليكم { لا تحصوهآ } لكثرتها ووفورها، ومع ذلك أشركتم معه غيره، وكفرتم بنعمه، مع أن المناسب لكم الرجوع إليه، والإنابة نحوه { إن الله } المطلع لضمائر عباده { لغفور } لمن تاب وآمن، وعمل صالحا { رحيم } [النحل: 18] يقبل توبتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم لو أخلصوا.

{ والله } المصلح لأحوال عباده { يعلم } منهم { ما تسرون } في قلوبكم بلا موافقة ألسنتكم { وما تعلنون } [الحل: 19] بألسنتكم بلا مطابقة قلوبكم، فعليكم أيها المؤمنون المنيبون أن تنيبوا نحو الحق سرا وعلانية حتى لا تكونوا من المنفاقين المخادعين مع اللهز

{ و } اعلموا أيها المشركون المكابرون أن { الذين يدعون من دون الله } المعبود بالحق آلهة، وتعبدونها إفكا كعبادته سبحانه، مع أنهم لا يستحقون الألوهية؛ إذ { لا يخلقون شيئا } حقيرا، وكيف بالعظيم، بل { وهم يخلقون } [النحل: 20] مخلوقون.

Unknown page