{ و } اذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من المؤمنين وقت { إذ قال إبراهيم } حين تيقظ عن منام الغفلة وتنبه عن سنة النسيان { لأبيه } المسمى { آزر } العابد للأصنام { أتتخذ أصناما } تنحتها { آلهة } مستحقة للعبادة قاردة للإيجاد والإعدام { إني } بعدما تنبهت وتفطنت بعدم قابليتها للألوهية بل الإله لا بد أن يكون متصفا بجميع أوصاف الكمال بلا تغيير وزوال وانتقال { أراك } يا أبت { وقومك في ضلال مبين } [الأنعام: 74] بعبادة هذه التماثيل الباطلة واعتقادها معبودات حقه.
{ وكذلك } أي: مثل ما نوقظه من منام الغفلة في أمر الأصنام { نري إبراهيم ملكوت السموت والأرض } أي: عجائبهما وغرائبهما المودعة فيهما؛ ليتأمل فيها ويتفكر في تدبيراتها وتصريفاتها حتى ينكشف بمبدعها { وليكون من الموقنين } [الأنعام: 75] في أمرها لا من المنتظرين المترددين المتخذين بعضها آلهة كعبدة الكواكب والمجسمة وغيرهما.
{ فلما جن } أظلم { عليه الليل رأى كوكبا } استنار بنوره وانكشف عنه الظلمة بسببه، وظن أنه انكشافه ذاتي مطلق دائم { قال } على مقتضى ظنه به: { هذا ربي } إذ هو نور يتجلى في الظلمة فيستحق الربوبية والعبودية { فلمآ أفل } غاب وانمحق { قال لا أحب الآفلين } [الأنعام: 76] فكيف أعبده وأخص العبادة له؛ إذ الأفول والتغيير من أمارات الحدوث، والحادث لا يستحق العبودية ولا يليق بالألوهية.
{ فلمآ رأى القمر بازغا } مبتدئا في الطلوع منيرا، له إشراق وإضاءة وإنكشاف خليه؛ إذ هو وحصره فيه { قال هذا ربي فلمآ أفل } انمحق وانكسر { قال لئن لم يهدني ربي } ولم يكشف على أمره { لأكونن من القوم الضالين } [الأنعام: 77] باعتقاده إلهية هذا البازغ الآفل.
{ فلما رأى الشمس بازغة } قاهرة لجميع الكواكب مضيئة بنفسها مشرقة بجميع ما ظهر عليها بحيث لا ينمحى انكشافها بسائر الكواكب أصلا { قال هذا ربي } إذ هو أتم انكشافا وأكمل إضاءة وإنارة { هذآ أكبر } من الجميع فهي المستحق بالألوهية والربوبية { فلمآ أفلت } وتغيرات، وانكشف إلى نور لا أفول له ولا تغيير، بل هو
نور على نور يهدي الله لنوره من يشآء
[النور: 35].
{ قال يقوم إني } بعدما كوشفت بنور الحق وعوينت بوجهه الكريم، تحققت بتوحيده وتمكنت بمقر تجريده وتفريده { بريء مما } جميع { تشركون } [الأنعام: 78] به من التماثيل الباطلة والأظلال الهالكة الآفلة.
[6.79-81]
{ إني } بعدما اجتهدت في طريق التوحيد، وبذلت جهدي في مسالكه { وجهت وجهي } أي: وجه قلبي الذي هو يلي الحق نحوه بتوفيق منه، وجذب من جانبه وتوجهت { للذي فطر } قدره وأظهره بلا مادة ومدة { السموت والأرض } أي: العالم العلوي والسفلي { حنيفا } مائلا عن جميع الأديان الباطلة والآراء الفاسدة { و } بعدما تحققت بما تحققت { مآ أنا من المشركين } [الأنعام: 79] بإثبات الوجود لغير الحق بل الوجود منحصر به وما سواه أظلال أوصافه وعكوس تجلياته، لا إله إلا هو، وكل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون رجوع الظل إلى ذي الظل.
Unknown page