{ وإذا قيل لهم } إمحاضا للنصح { تعالوا } هلموا { إلى مآ أنزل الله } من الكتاب الجامع لجميع الكتب المبينة لطريق الحق، الهادية إلى توحيده { وإلى } متابعة { الرسول } المبلغ الكاشف لكم أحكامه { رأيت المنفقين } والذين في قلوبهم مرض { يصدون } يعرضون { عنك } وعن عظتك وتذكيرك { صدودا } [النساء: 61] إعراضا نائشا عن محض القساوة والفساد.
[4.62-64]
{ فكيف } لا يكونون منافقين إنهم { إذآ أصبتهم مصيبة بما قدمت أيديهم } من نفاقهم مع المؤمنين وتحاكمهم إلى الطاغوت، وعدم الرضا بحكمك وقضائك { ثم } بعدما أصابوا { جآءوك } معتذرين لك { يحلفون بالله إن أردنآ } أي: ما قصدنا { إلا إحسنا } طلبا للخير من الله لإخواننا المؤمنين { وتوفيقا } [النساء: 62] بينهم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن منافقا نازع يهوديا، فدعاه اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق إلى كعب بن الأشرف، ثم بعد النزاع والجدال احتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودي فلم يرضى المنافق بقضائه، فقال: نتحاكم إلى عمر رضي الله عنه، فحضروا عنده فقال اليهودي لعمر رضي الله عنه: قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض، فخاصم إليك، فقال عمر للمنافق: أهكذا، قال: نعم، فقال: مكانكما حتى أخرج، فدخل بيته، وأخذ سيفه، فخرج فضرب به عنق المنافق، فقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، فنزل جبريل وقال: إن عمر رضي الله عنه قد فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق.
{ أولئك } المنهمكون في الغي والضلال هم { الذين يعلم الله ما في قلوبهم } من النفاق والشقاق، فلا يغني عنهم حلفهم الكاذب شيئا من عذاب الله { فأعرض عنهم } وعن حلفهم عن المؤمنين { وعظهم } في الخلوات على مقتضى شقاق مرتبة النبوة والرسالة { وقل لهم } حين كانوا مفترقين متفردين { في أنفسهم } عن المؤمنين { قولا بليغا } [النساء: 63] ليؤثر فيهم ويحرك فطرتهم الأصلية التي فطروا عليها؛ رجاء أن يتفطنوا بالتوحيد وينتبهوا بحقيته بتوفيق الله وجذب من جانبه.
{ و } لا تستبعد يا أكمل الرسل مثال هذا التوفيق منا؛ إذ { مآ أرسلنا من رسول } إلى أمة من الأممم الماضية { إلا ليطاع } ويؤمن به ويمتثل بأمره إلا { بإذن الله } وتعلق إرادته بإطاعتهم له وإيمانهم به { ولو أنهم } من غاية جهلهم ونفاقهم { إذ ظلموا أنفسهم } بالخروج عن إطاعتك وانقيادك عنا { جآءوك } تائبين معتذرين مما صدر عنهم { فاستغفروا الله } مخلصين نادمين { واستغفر لهم الرسول } أيضا بالاستشفاع والاستدعاء من الله بالقبول بعدما جاءوا معتذرين { لوجدوا الله } وصادقوه مفضلا كريما { توابا } يثل توبتهم { رحيما } [النساء: 64] لهم يوفقهم عليها.
[4.65-68]
{ فلا وربك } أي: فوربك وعظم شأنه وسطوع برهانه { لا يؤمنون } بالله وبكتبه ورسله { حتى يحكموك } أيها لمبعوث لكل { فيما شجر } وحدث { بينهم } من الوقائع التي اختلفوا فيها { ثم } بعدما حكموك { لا يجدوا } حين راجعوا وجدانهم { في أنفسهم حرجا } ضيقا واضطرابا وشكا { مما قضيت } حكمت به { ويسلموا } حكمك وقضاءك { تسليما } [النساء: 65] ناشئا عن محض الإطاعة والانقياد، ظاهرا وباطنا؛ إذ طاعتك عين إطاعتنا وانقيادنا.
{ ولو أنا كتبنا } فرضنا وأمرنا { عليهم أن اقتلوا أنفسكم } في سبيلنا { أو اخرجوا من دياركم } المألوفة التي هي بقعة الإمكان { ما فعلوه } أي: المأمور به { إلا قليل منهم } وهم المخلصون المبادرون إلى الفناء في الله؛ ليفوزوا بشرف بقائه { ولو أنهم } من غاية تشوقهم وتعطشهم بمرتبة الفناء فيه { فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم } في أولادهم وأخراهم { وأشد تثبيتا } [النساء: 66] لقدمهم في طريق التوحيد والعرفان.
{ وإذا } أي: حين ثبتوا على طريق التوحيد أشد تثبيت { لأتينهم من لدنآ } بلا صنع منهم { أجرا عظيما } [النساء: 67] هو الفوز بمرتبة الكشف والشهود.
Unknown page