Maʿālim al-tanzīl fī tafsīr al-Qurʾān = Tafsīr al-Baghawī
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Investigator
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مَوَاضِعَ قَدَمِ الْفَرَسِ تَخْضَرُّ فِي الْحَالِ قَالَ: إِنَّ لِهَذَا شَأْنًا فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرَائِيلَ ﵇. قَالَ عِكْرِمَةُ: أُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ أَنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِي شَيْءٍ غَيَّرَهُ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَعَارُوا حُلِيًّا كَثِيرَةً مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ حِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْ مِصْرَ بِعِلَّةِ عُرْسٍ لَهُمْ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَبَقِيَتْ تِلْكَ الْحُلِيُّ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا فَصَلَ مُوسَى قَالَ السَّامِرِيُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ الْحُلِيَّ الَّتِي اسْتَعَرْتُمُوهَا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ غَنِيمَةٌ لَا تَحِلُّ لَكُمْ، فَاحْفِرُوا حُفْرَةً وَادْفِنُوهَا فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى فَيَرَى فِيهَا رَأْيَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ هَارُونَ ﵇ أَمَرَهُمْ أَنْ يُلْقُوهَا فِي حُفَيْرَةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ موسى ففعلوا، ١١/ب فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحُلِيُّ صَاغَهَا السَّامِرِيُّ عِجْلًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا الْقَبْضَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ تُرَابِ فَرَسِ جِبْرَائِيلَ ﵇، فَخَرَجَ عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعًا بِالْجَوَاهِرِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ، وَخَارَ خَوْرَةً، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي فَقَالَ السَّامِرِيُّ "هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ" (٨٨-طه) أَيْ فَتَرَكَهُ هَاهُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبُهُ.
وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخْلَفُوا الْوَعْدَ فَعَدُّوا الْيَوْمَ مِنَ اللَّيْلَةِ يَوْمَيْنِ فَلَمَّا مَضَتْ عِشْرُونَ يَوْمًا وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى وَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ.
وَقِيلَ: كَانَ مُوسَى قَدْ وَعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثُمَّ زِيدَتِ الْعَشَرَةَ فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَرَأَوُا الْعِجْلَ وَسَمِعُوا قَوْلَ السَّامِرِيِّ عَكَفَ ثَمَانِيَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعِجْلِ يَعْبُدُونَهُ وَقِيلَ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ، وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ وَحْدَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ أَيْ إِلَهًا ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أَظْهَرَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ الذَّالَ مِنْ أَخَذْتُ وَاتَّخَذْتُ وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ ضَارُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْمَعْصِيَةِ وَاضِعُونَ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ مَحَوْنَا ذُنُوبَكُمْ ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ بَعْدِ عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لِكَيْ تَشْكُرُوا عَفْوِي عَنْكُمْ وَصَنِيعِي إِلَيْكُمْ، قِيلَ: الشُّكْرُ هُوَ الطَّاعَةُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ قَالَ الْحَسَنُ: شُكْرُ النِّعْمَةِ ذِكْرُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" (١١-الضُّحَى) قَالَ الْفُضَيْلُ: شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْ لَا يُعْصَى اللَّهُ بَعْدَ تِلْكَ النِّعْمَةِ. وَقِيلَ: حَقِيقَةُ الشُّكْرِ الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ.
حُكِيَ أَنَّ مُوسَى ﵇ قَالَ: إِلَهِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ النِّعَمَ السَّوَابِغَ، وَأَمَرَتْنِي بِالشُّكْرِ وَإِنَّمَا شُكْرِي إِيَّاكَ نِعْمَةٌ مِنْكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ الَّذِي لَا يَفُوقُهُ شَيْءٌ مِنْ عِلْمٍ، حَسْبِي مِنْ عَبْدِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَهُوَ مِنِّي، وَقَالَ دَاوُدُ ﵇: سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِهِ شُكْرًا، كَمَا جَعَلَ اعْتِرَافَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ يَعْنِي التَّوْرَاةَ ﴿وَالْفُرْقَانَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التَّوْرَاةُ أَيْضًا
1 / 95