Tafsir
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Investigator
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ ﷺ: "أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ" قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ" قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ" قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ" قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: "أَنْتَ أَعْلَمُ" (١) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ عَلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ يُخَاطِبُ جَمَاعَةً، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مَعْنَاهَا الْقَبِيلُ كَأَنَّهُ قَالَ: كَذَلِكَ أَيُّهَا الْقَبِيلُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ لِأَنَّ خِطَابَهُ يَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ الْأُمَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ" (١-الطَّلَاقِ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَتَحْبِسُونَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا يُصْلِحُكُمْ فِي مَعَاشِ الدُّنْيَا وَتُنْفِقُونَ الْبَاقِيَ فِيمَا يَنْفَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهَا هَكَذَا: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا فَتَزْهَدُوا فِيهَا وَفِي إِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا فَتَرْغَبُوا فِيهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (١٥٢-الْأَنْعَامِ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا" الْآيَةَ (١٠-النِّسَاءِ) تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى تَحَرُّجًا شَدِيدًا حَتَّى عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى عَنْ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى كَانَ يُصْنَعُ لِلْيَتِيمِ طَعَامٌ فَيَفْضَلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَتْرُكُونَهُ وَلَا يَأْكُلُونَهُ حَتَّى يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ أَيِ (الْإِصْلَاحُ لِأَمْوَالِهِمْ) (٢) مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ وَلَا أَخْذِ عَوِضٍ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَعْظَمُ أَجْرًا، لِمَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، وَخَيْرٌ لَهُمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوَفُّرِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَعَامِ نَفْسِهِ وَلَا يُوَسِّعُ مِنْ طَعَامِ الْيَتِيمِ ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ هَذِهِ إِبَاحَةُ الْمُخَالَطَةِ أَيْ وَإِنْ تُشَارِكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَخْلِطُوهَا بِأَمْوَالِكُمْ فِي نَفَقَاتِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ وَخَدَمِكُمْ وَدَوَابِّكُمْ فَتُصِيبُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِوَضًا عَنْ قِيَامِكُمْ بِأُمُورِهِمْ وَتُكَافِئُوهُمْ عَلَى مَا تُصِيبُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أَيْ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَالْإِخْوَانُ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُصِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَمْوَالِ بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ وَالرِّضَا ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ﴾ لِأَمْوَالِهِمْ ﴿مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ لَهَا يَعْنِي الَّذِي يَقْصِدُ بِالْمُخَالَطَةِ
(١) أخرجه أبو داد في الزكاة، باب صلة الرحم: ٢ / ٢٦٠، وقال المنذري: في إسناده محمد بن عجلان. والنسائي في الزكاة، باب اليد العليا: ٥ / ٦٢. والإمام أحمد في المسند: ٢ / ٢٥١، ٤٧١ عن أبي هريرة وصححه الحاكم على شرط مسلم: ١ / ٤١٥. وابن حبان في موارد الظمآن برقم (٨٢٨)، والشافعي ٢ / ٤١٨،٤١٩. والبغوي في شرح السنة: ٦ / ١٩٣، وانظر تعليق المحقق. ومحمد بن عجلان، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة (التقريب ٢ / ١٩٠ وميزان الاعتدال ٣ / ٦٤٤) . (٢) زيادة من (ب) .
1 / 254