346

Tafsīr al-Rāghib al-Aṣfahānī

تفسير الراغب الأصفهاني

Editor

د. هند بنت محمد بن زاهد سردار

Publisher

كلية الدعوة وأصول الدين

Publisher Location

جامعة أم القرى

﴿وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ نهيأ عن الكفر المطلق، وذلك معنى [زائد على قوله (واشكروا لي) وقدم قوله] ﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾ وأخر قوله: ﴿وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ تنبيها على أن ترك الشكر كفران ...
إن قيل: فلم قال: (ولا تكفرون) ولم يقل (ولا تكفروا لي)؟ قيل: لأنه يقتصر من العبد على شكر نعمه، ولا يقتصر منه على أن لا يكفر نعمه، بل نهى عن الكفر به أكثر مما نهى عن كفر نعمه، إذ قد يعفو عن كفر بعض النعم ولا يعفو عن الكافر المطلق. . . قوله ﷿:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
الآية (١٥٣) - سورة البقرة.
قد تقدم الكلام في الصبر والصلاة وأنواعهما، فحث الله تعالى على الصبر، إذ هو ذريعة إلي فعل كل خير ويبدأ كل فضل، فإن أول التوبة الصبر عن العاصي، وأول الزهد الصبر عن مناجاة الدنيا، وأول الإرادة الصبر على طلب ما سوى الله، ولهذا قال ﵇: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد)، وقال: (والصبر خير كله) والصلاة هي المقتضية للخشوع والداعية إلي ترك الفحشاء قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ولا أمر بالذكر والشكر حث على الاستعانة بالصبر والصلاة - تنبيهًا أنه بهما يتوصل إليه، فإن الصبر مبدأ الإيمان، والشكر منتهاه ولهذا قال ﵇: " الصبر نصف الإيمان " ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ فضمن صحبته إياهم تنبيهًا على قرب فيضه وتوفيقه، كما قال:

1 / 346