قيل: يتصور ذلك على وجهين: أحدهما: اعتبار لحال الإنسان ومعارفه، وهو أن الإنسان شرع في الفضيلة واكتساب المعرفة درجة درجة إلى حين الكمال، فإن حكمه في بطن أمه حكم النبات، ثم يصير في حكم الحيوان، ثم يصير بعد الولادة في حيز الإنسان باكتساب المعارف أولًا فأول، ثم لا يزال يترقى بالعلم والعمل حتى ربما يصير قريبًا من الملائكة علما وفضلًا وعملًا، ومتى أخل بمرتبته، وصل إليها، فرجع عنها فقد انقلب على عقبيه، والوجه الثاني: أن يعتبر الأديان وفضائلها، وذلك أن الله تعالى أنشأ الأديان، فمازال يتممها شيئًا فشيئا إلى أن كملها بالنبي ﷺ كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، وكما قال النبي ﵇ في الخبر الذي قال فيه: (..
فكنت في موضع اللبنة)، فمن أنعم عليه بأن أوجده بعد بعثته ﵇ فرغب عن شريعته مائلًا إلى غيرها من الشرائع المنسوخة قد انقلب على عقبيه، وبين بقوله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ أن الانتقال عن المألوف من القبلة مستصعب على الطبع، والإنسان ألوف لما يتعوده سيما الشريعة، فإن ذلك إنما لا ينقل عليه من أنعم الله عليه وهداه وعرف حكمته، وعلم أنه تعالى يأمر عباده بما هو أصلح لهم كأهل " منا " الذين لما أتاهم الخبر بنسب القبلة، وكانوا في الصلاة حولوا وجوههم نحو الكعبة من غير أن يستبينوا، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ هو تسكين لمن صلى إلي بيت المقدس، من المسلمين ومن أهل الكتاب قبل النسخ، وبين أنهم يثابون على ذلك، فقد
روي أن قومًا قالوا: كيف بمن مات من إخواننا وقد وصلوا إلى بيت القدس؟ فأنزل الله تعالى، ذلك،
فإن قيل ولم قال؟ ﴿لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ ولم يقل صلواتكم؟