Tafkir Farida Islamiyya
التفكير فريضة إسلامية
Genres
وأخبره بعض أصحابه أنه يقوم الليل ويصوم النهار فقال له: «لا تفعل؛ صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقا ...»
وقد تواترت أمثال هذه الأحاديث في الأثر، واختلفت فيها الروايات، ولكنها لم تختلف قط في معناها ومؤداها؛ لأن حياة النبي الكريم كلها مصداق للإيمان بحق الجسد مع حق الروح.
والدين الذي ينظر إلى الحياة والجمال هذه النظرة القويمة السوية لا يسوغ لأحد أن يظن به تحريما لشيء من الفن الجميل، أو نهيا عن شيء يجمل الحياة، ويحسن وقعا في الأبصار والأسماع. وإنما سبقت الظنة إلى هذا الخطأ لتشديد الإسلام في منع عبادة الأوثان، ومنع ما يصنع لعبادتها من التماثيل والأنصاب، ولم ترد في الكتاب كلمة تنهي عن عمل من أعمال الفن الجميل، ولم يثبت عن النبي - عليه السلام - قول قاطع في تحريم صنعة غير ما يصنع للعبادة الوثنية، أو ما تخشى منه النكسة إليها في نفوس أتباعها ومن يفتنون بجهالتها ...
روى الأزرقي في أخبار مكة: «أن النبي - عليه السلام - لما دخل الكعبة بعد فتح مكة قال لشيبة بن عثمان: يا شيبة ... امح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي ... قال: فرفع يده عن عيسى بن مريم وأمه ».
وهذه الرواية يقابلها أن النبي - عليه السلام - لم يدخل الكعبة إلا بعد أن أزيلت منها الصور القائمة فيها، أو المنقوشة عليها؛ فإن حقت الرواية وصح أنه - عليه السلام - قد ترك بعض الصور، وأمر بإزالة بعضها، فليس في ذلك تحريم للصور على إطلاقها، وإن حقت الرواية الأخرى وكانت الصور قد أزيلت من الكعبة بأمره - عليه السلام - قبل دخوله إليها، فما فعله صلوات الله عليه، فهو الحكمة التي تفضي بها ضرورة الحيطة في أوائل كل دعوة تخشى فيها النكسة إلى ما سلفها من دعوات محظورة. وما من دعوة في عصرنا هذا تستغني عن مثل هذه الحيطة الواجبة فيما تحذره من نكسات العهود الغابرة.
على أن الخلاف في صور الكعبة ينقطع بما لا شك فيه من آيات القرآن، وذلك فيما ورد من بيان نعمة الله على سليمان - عليه السلام - ولا إنكار عليه؛ بل هو موجب للشكر من القوم جميعا كما جاء في هذه الآيات:
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور [سورة سبأ: 13].
والقاعدة العامة في الإسلام أنه لا تحريم حيث لا ضرر ولا خشية من الضرر. فأما مع المنفعة المحققة فلا تحريم، ولا جواز للتحريم؛ لأنه فوات للمصلحة، ونهي عن المباح.
وممن تناول البحث في موضوع التصوير من المحدثين صاحب مجلة «الهداية»، الأستاذ عبد العزيز جاويش؛ حيث يقول: «إنه ليس المراد تعميم التحريم في كل زمان أو كل أمة؛ فإنه لا معنى لذلك الحجر متى أمن جانب العبادة والتعظيم اللذين اختص الله بهما. وكيف يحرم التصوير مطلقا مع أنه قد يكون سببا في حفظ حقوق شرعية، كما هو الشأن في صور الغرقى والأموات المجهولين التي تعرضها الحكومة على الملأ حتى يعرفهم ذووهم، فتقوم هناك أحكام المواريث، وأحكام الزوجية، وحلول الديون المعجلة ونحو ذلك.
وقد يكون التصوير سببا في تحذير الأمة من اللصوص المحتالين، والنصابين المستترين عن أعين الحكومة، فتنشر صورهم للملأ حتى يقتفوا أثرهم، ويرشدوا الحكومة إلى معاهدهم. ومن الصور ما تعرف به أسرار حكم الله تعالى في خليقته، كما في صور الحيوانات وأجزائها التي تحتويها كتب التاريخ الطبيعي والتشريح.
Unknown page