Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Genres
46
ويكتب ابن البيطار، أشهر صيادلة مصر، مؤكدا ضرورة تغليب منهج البحث العلمي والحسي على أخبار القدماء ونظرياتهم، فيقول في كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية»: «فما صح عندي بالمشاهدة والنظر، وثبت عندي بالخبر لا بالخبر ادخرته كنزا سريا، وعددت نفسي عن الاستعانة بغيري فيه - سوى الله - غنيا، وما كان مخالفا ... نبذته ظهريا، وهجرته مليا، وقلت لناقله أو قائله لقد جئت شيئا فريا ...»
47
وهكذا، فإن العلماء العرب لم يكونوا مجرد شارحين ناقلين مكررين لعلوم اليونان، بل إنهم ترجموا هذه الكتب ودرسوها وتمثلوا ونقدوا نتائجها وأصلحوا ما يمكن إصلاحه، وأقاموا معرفة جديدة بما يتفق مع إمكانيتهم وحاجتهم ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي لعصرهم الذي عاشوا فيه.
ولقد عبر المستشرق «جون برنال»
Ghon Bernal
عن هذه الحقيقة بالقول: «إن العلم الإسلامي لم ينقل العلم الإغريقي نقلا حرفيا، بل أعاده إلى الحياة من جديد بعد هضمه ومزجه بالثقافة الإسلامية؛ أي إنه مر بنفس العملية التي مر بها تراث الشرق القديم عندما هضمه وتمثله الفلاسفة اليونانيون الأوائل.»
48
وثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة نود فيها تفنيد بعض آراء المستشرقين في مسألة انعدام الجانب الحسي التجريبي في العلم العربي، فهذا هو المستشرق الألماني «فرانز روزنتال» يذكر بأن هناك مستشرقين عللوا تأخر البحث العلمي عند المسلمين نتيجة انعدام الجانب الحسي التجريبي، وفي هذا يقول: «إن المرء لا يتمالك أن يرى التناقض الظاهر في الآراء السالفة التي استشهدنا بها. وليس من العسير أيضا أن نجد باحثا يأخذ بوجهات نظر معاكسة تماما لتلك، فيبرهن لك بيسر أن أروع إبداع قام به الباحثون المسلمون كان في حقل التفكير النظري، وأن الباحث المسلم لم يأبه بالملاحظة والتجربة، بل اعتبرهما أمورا ثانوية، وأنهما أحيانا تفقدان فقدانا يثير العجب. كذلك يستطيع المرء أن يدلل لك أن الباحث المسلم لم يكن رجلا نفعيا ماديا، بل كان كثيرا ما يمعن في المغامرات الفكرية دون أن يكون في ذهنه غاية معينة يسعى إليها، أو رغبة في نفع أو كسب.»
49
Unknown page