172

Tafkir Cilmi

التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر

Genres

من أجل ذلك فمن العبث أن نبحث عن سند فيزيائي لحرية الإرادة؛ لأنها مشكلة الفلسفة في المقام الأول، وليست مشكلة الفيزياء. وهذا ما أكده أحد الفلاسفة الهنود كانتا براهما

N. K. Brahama

وبنفس حجة شين عن استقلال الميتافيزيقا عن الفيزيقا، فيقول معقبا على المحاولات الخاطئة لاستخلاص الحرية الإنسانية من نتائج العلم: «ثم ماذا يمكن أن يحدث فيما لو فاجأتنا تجارب المستقبل بأن اللاحتمية التي يفترض وجودها في حركة الإلكترون، لا وجود لها حقيقة، ألن تجد الفلسفة نفسها عاجزة عن تبرير موقفها، فيما لو أخذت الآن برأي إدنجتون؟! إن الحرية وسائر الحقائق الميتافيزيقية الأخرى لا يمكن البرهنة عليها في عالم الظواهر الذي تسيطر عليه مقولات المكان والزمان والسببية.»

63

ثالثا: البعد الموضوعي لمبدأ اللايقين

إذا كانت مدرسة كوبنهاجن، قد استطاعت بزعامة «بور» و«هيزنبرج» و«ديتوش»، أن تروج لتفسير مفاده استحالة معالجة الظواهر الذرية بواسطة مفهوم الحتمية نظرا لعلاقات الارتياب واستحالة الاستمرار في الاعتقاد في الوجود المادي الواقعي والموضوعي للجسيمات الذرية، وبهذا المعنى يغدو من الصعب، في نظرها، الحديث عن (واقع) لأن هذا الأخير في ميدان الذرة يختلف اختلافا أساسيا عن الواقع في الميدان الميكروسكوبي؛ أي في مستوى الظواهر التي نتعامل معها في حياتنا اليومية الاعتيادية، فإنه انطلاقا من الاعتبارات نفسها، نفوا أن تكون نتائج قياساتنا وتجاربنا في المستوى الذري نتائج موضوعية، نتيجة ما يؤدي إليه تدخل آلات القياس من تأثير على الظاهرة الملاحظة نفسها تأثيرا بارزا؛ حيث لا يكون للظاهرة الفيزيائية الملاحظة واقع فيزيائي إلا بالنسبة للآلة، أو لوسيلة إدراكه وقياسه.

64

ولقد قوبلت هذه الآراء بالترحاب الكبير من طرف كبار العلماء، بل كان لها تأثير فلسفي قوي عليهم؛ فلويس دي بروي انساق تحت تأثيرهم، منذ تاريخ انعقاد سولفي الخامس (1927م) بباريس حتى سنة 1951م، في تفسير احتمالي محض للميكانيكا الكوانتية ونتائجها، والتزم حرفيا بآراء بور وهيزنبرج، وهو ما جعله يتخلى عن آرائه الأولى المناصرة للحتمية الكلاسيكية،

65

ويعتنق آراء مدرسة كوبنهاجن هي حذاقة حجج بور ودقة وفطانة براهينه. وانساق الحاضرون في المؤتمر وراءه هو وهيزنبرج ما عدا أينشتين الذي أعلن عن عدم رضاه عن الاتجاه الاحتمالي؛

Unknown page