Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Genres
ويكفينا ما قالته المستشرقة الألمانية «زيغريد هونكه»، في مقدمة كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»: ولهذا صممت على كتابة المؤلف، وأردت أن أكرم العبقرية العربية، وأن أتيح لمواطني فرصة العودة إلى تكريمها، كما أردت أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم الذي حرمهم من سماعه تعصب ديني أعمى أو جهل أحمق.»
34
ثم تشيد زيغريد هونكه بفضل العرب في تطوير علم الفلك، وتفسر اهتمام المسلمين بهذا العلم فتقول: «والواقع أنه لا الرومان ولا الهنود هم الذين ساهموا في تطوير علم الفلك، وإنما كان من دواعي فخر العرب أن يفعلوا ذلك وحدهم ... وكان لعلم الفلك عند المسلمين معنى «ديني» عميق؛ فالنجوم ومدارها، والشمس وعظمتها، والقمر وسيره لبرهان ساطع على عظمة الله وقدرته، الخالق الذي جاء باسمه النبي العربي مبشرا بأنه خالق السموات والأرض، وجاعل الظلمات والنور؛ لذلك وكما قال أبو عبد الله محمد بن جابر البتاني، فإن «علم النجوم هو علم يتوجب على كل أمرئ أن يعلمه، كما يجب على المؤمن أن يسلم بأمور الدين وقوانينه؛ لأن علم الفلك يوصل إلى برهان وحدانية الله، وإلى معرفة عظمته الهائلة وحكمته السامية وقوته الكبرى».»
35
وفي الكيمياء، تشيد هونكه باكتشافات العرب العلمية في هذا المجال وبمنهجيتهم في البحث، وسبقهم إلى وضع طرق التجربة والمراقبة المنظمة وأثر ذلك في علم الكيمياء الحديث. وفي ذلك تقول: «كان الفكر الإغريقي يهتم بتفسير المعرفة الحسية بواسطة التأمل الفلسفي، فأوجد الكيمياء النظرية والفلسفة الطبيعية. أما العرب فكانوا أول من أوجد طرق المراقبة والتجربة المنظمة في ضوء الشروط التي كان بإمكانهم في كل حين أن يعيدوها وينوعوها ويراقبوها، فخلقوا بذلك علم الكيمياء التجريبي في مفهومه العلمي، وأوصلوه إلى قمة رفيعة أصبحت بموجبها اكتشافات علمي الكيمياء العضوية والكيمياء غير العضوية الحديثين من الضرورات الماسة لإرجاع الكيمياء التجريبية إلى المستوى الذي أوصلها إليه العرب».
36
ثانيا: تفنيد رأي المستشرقين القائلين بأن العلم العربي مجرد نقل واقتباس عن علوم اليونان
إذا كان بعض المستشرقين قد رأى أن العالم العربي هو مجرد امتداد للعلم اليوناني، فلم يكتفوا بهذا، بل أكدوا أن ما قام به العرب في مجال العلم كان يدور في ذلك الإطار الذي حدده اليونانيون قبل ذلك بفترة لا تقل عن ألف عام، بل لقد تجاوزت حدود الموضوعية حين ذهبوا بأن المرحلة الإسلامية من العلم، إنما كانت همزة الوصل بين الحضارة اليونانية والحضارة الأوروبية الحديثة، وأن فضل العرب والمسلمين ينحصر على التراث العلمي اليوناني ونقله بأمانة إلى أوروبا لتبدأ به نهضتها الحديثة.
وأصحاب هذا الرأي هم بعض المستشرقين أمثال رينان ودي بور وجولد وماكس هورتن ومن تابعهم في هذه المقالة، ورغم اختلاف بعضهم عن بعض فيما يسوقه من مبررات تؤيد رأيه، فإنهم جميعا ينكرون أن يكون للعلم العربي شيء من الجدة والأصالة، وأن يكون لعلماء العرب شيء من التجديد والإضافة والابتكار، بل إن بعضهم قد بلغ حدا من التطرف فقال: «إن ما يدعى بالحضارة العربية لا وجود له ألبتة كظاهرة مبررة للعبقرية العربية، فهذه الحضارة إنما أنشأتها شعوب أخرى كانت لهم مدنيات قائمة قبل أن تستبعد قهرا من قبل الإسلام، فاستمرت خصالها القومية في نمو برغم ما صب عليها الفاتح من ألوان الاضطهاد، ولم يسهم العنصر العربي إلا بمقدار هزيل لا يذكر؛ فالكندي مثلا، وقد كان له صيت عظيم في القرون الوسطى ولقب بالفيلسوف، لم يكن سوى يهودي من الشام اعتنق الإسلام. وما كتبه العلماء العرب في مجال الرياضيات والهندسة والطب والفلسفة وغيرها، ليس إلا مجرد نقل واقتباس من أرسطو وشراحه، وكثيرا ما نسب استنباط علم الجبر إليهم، والواقع أنهم لم يكونوا إلا نسخة عملوا على نقل رسائل «ديوفانطس» الإسكندراني الذي كان حيا في القرن الرابع للميلاد، وفي الطب أيضا لا نجد طرافة ولا ابتكارا، ورسائل أبي القاسم (الزهراوي) وابن زهر وابن البيطار - وثلاثتهم من أصل إسباني - نسخ مطابقة بعض المطابقة للأصل؛ أعني لمؤلفات جالينوس وأطباء الإسكندرية، وقد تم نقلها عن طريق السريانية.»
37
Unknown page